14. قطوف من السيرة المحمدية – إكرامه عليه الصلاة والسلام بالنبوة .

  بسم الله الرحمن الرحيم                       

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

عمره قبيل 40 سنة ، نبذة عن غار حراء ، عمره 40 سنة ونزول جبريل بالوحي ، لقاءه مع جبريل عليه السلام ، لقاءه مع ورقة بن نوفل ، فترة الوحي ، جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية ، ذكر مراتب الوحي ، المراجع .

” التفاصيل “

عمره قبيل 40 سنة – عليه الصلاة والسلام – :

ولما تقاربت سنه صلى الله عليه وسلم من الأربعين ، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه ، حبب إليه الخلاء ، فكان يأخذ السويق والمال ،  ويذهب الى غار حراء في جبل النور ،ومعه أهله قريبا منه ، فيقيم فيه شهر رمضان ، يطعم من جاءه من المساكين ، ويقضي وقته في العبادة  والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون ، وفيما وراءها من قدرة مبدعة ، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة ، وتصوراتها الواهية ، ولكن ليس بين يديه طريق واضح ، ولا منهج محدد ، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه .

وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفا من تدبير الله له وليعده لما ينتظره من الأمر العظيم . ولابد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى .. لابد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت ، وانقطاع عن شواغل الأرض وضجة الحياة وهموم الحياة وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة .

وهكذا دبر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يعده لحمل الأمانة الكبرى وتغيير وجه الأرض وتعديل خط التاريخ ، دبر له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاثة سنوات ينطلق في هذه العزلة شهراً من الزمان ، مع روح الوجود الطليقة ، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون ، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله .

نبذة عن غار حراء :

يقع غار حراء في جبل النور وهوعلى مبعدة نحو ميلين من مكة ، وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع ، وعرضه  ذراع وثلاثة أرباع ذراع من ذراع الحديد .

عمره 40 سنة – عليه الصلاة والسلام – ونزول جبريل بالوحي :

       ولما تكامل له أربعون سنة وهي رأس الكمال وقيل : ولها تبعث الرسل ، بدأت آثار النبوة تتفوح وتتلمع له من وراء آفاق الحياة ، وتلك الآثار هي الرؤية فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، حتى مضت على ذلك ستة أشهر، ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة ، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ، فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته صلى الله عليه وسلم بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض ، فأكرمه بالنبوة ، وأنزل إليه جبريل بآيات من القران .

       أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه – وهو التعبد – في الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهل ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها .

لقاءه مع جبريل عليه السلام :

بعد أن كانت حالته عليه الصلاة والسلام تلك وهو في الغار إذ جاءه الملك فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارىء ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت ، ما أنا بقارىء ، فأخذني فغطني الثالثة ، ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ( خلق الانسان من علق ) ( اقرأ وربك الأكرم ) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة : مالي ، وأخبرها الخبر ، لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة : كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ،  وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نواب الدهر.

لقاءه مع ورقة بن نوفل :

وبعد أن ردت عليه خديجة انطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان امرءاً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة ، يا ابن أخي ما ذا ترى ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزله الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعاً ، ليتني أكون حياً
إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أو مخرجيء  هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ، وأن يدركني يومك انصرك نصراً مؤزراً ، ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي .

فترة الوحي:

       أما مدة فترة الوحي ، فروى ابن سعد عن ابن عباس ما يفيد أنها كانت أياماً ، وهذا الذي يترجح بل يتعين به إدارة النظر في جميع الجوانب ، وأما ما اشتهر من أنها دامت طيلة ثلاث سنين أو سنتين ونصف فلا يصح بحال ، وليس هذا موضع التفصيل في رده .

       وقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيباً محزونا ، تعتريه الحيرة والدهشة فقد روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه :

       وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه ولسم فيما بلغنا حزناً عدا منه مراراً كي يتردى من رؤؤس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدي له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقاً ، فيسكن لذلك جأشه ، وتقر نفسه ، فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك .

جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية :

       قال ابن حجر : وكان ذلك ( أن انقطاع الوحي أياماً ) ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع ، وليحصل له التشوف الى العود ، فلما تقلصت ظلال الحيرة ، وثبتت أعلام الحقيقة ، وعرف صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أضحى نبياً لله الكبير المتعال ، وأن ما جاءه سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء ، وصار تشوفه وارتقابه لمجيء الوحي سبباً في ثباته واحتماله عندما  يعود ، جاءه جبريل للمرة الثانية ، روى البخاري عن جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال :

       ( فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء ، فرفعت بصري قبل السماء ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجئت منه حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني ، فزملوني ، فأنزل الله تعالى ( يا أيها المدثر ) الى قوله ( فاهجر ) ثم حمي الوحي وتتابع .

 

ذكر مراتب الوحي عليه – عليه الصلاة والسلام – :

مراتب الوحي ( 7 ) :

  1. الرؤيا الصادقة ، وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم .
  2. ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه .

3. أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عن ما يقول له ، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا .

4. أن كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس ، وكان أشده عليه ، حتى أن جبينه  ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض .

5. أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها ، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه ، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله عز وجل ذلك في سورة النجم .

6. ما أوحاه  الله إليه وهو فوق السماوات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها .

7. كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلّم الله موسى بن عمران ، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى عليه السلام قطعا بنص القرآن . وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء .

وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله له كفاحا من غير حجاب وهي مسألة خلافية  بين السلف والخلف . انتهى مع تلخيص يسير في بيان المرتبة الأولى والثامنة ، والحق أن هذه الأخيرة ليست ثابتة .

انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل: في ظلال النبوة والسيرة .

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ صفي الدين المباركفوري رحمه الله –  فصل : استطراد في بيان أقسام الوحي .   

–        من كتاب أطلس السيرة النبوية للمؤلف الأستاذ سامي المغلوث حفظه الله – الباب الخامس : من المولد الشريف إلى الهجرة النبوية ( العهد المكي ) .  

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *