31. قطوف من السيرة المحمدية ” مسجد البيعة بمنى “

                 بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

حادثة شق صدره ، ماذا رأى في رحلته هذه ،  وقع الخبر على أسماع المكذبين ، لماذا لقب أبا بكر بالصديق   ، نبذة مسجد البيعة ، طلائع الهجرة ، انتظاره الإذن بالهجرة ، المراجع .

” التفاصيل “

حادثة شق صدره وماذا رأى في رحلته هذه :

بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سعد حينما كان صغيرا حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده صلى الله عليه وسلم وقع حادث شق صدره ، روى مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل ، وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه ، فشق قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ، ثم أعاده إلى مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني ظئره – فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون . وقد وقع حادث شق صدره صلى الله عليه وسلم هذه المرة أيضاً ، وقد رأى ضمن هذه الرحلة أموراً عديدة :

عرض عليه اللبن والخمر ، فاختار اللبن ، فقيل ، هديت الفطرة أو أصبت الفطرة ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .

ورأى أربعة أنهار في الجنة : نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، والظاهران هما : النيل والفرات ، ومعنى  ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات ، وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلاً بعد جيل ، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة ،

 ورأى مالك خازن النار ، وهو لا يضحك ، وليس على وجهه بشر وبشاشة ، وكذلك رأى الجنة والنار ،

ورأى أكلة أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل ، يقذفون في أفواهم قطعا من نار كالافهار ، فتخرج من أدبارهم ،

 ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة ، لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم ويمر بهم آل فرعون  حين يعرضون على النار فيطأونهم ،

ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون الطيب السمين ،

 ورأى النساء اللاتي يُدخلن على الرجال من ليس من أولادهم ، رآهن معلقات بثديهن ،

ورأى عيراً من أهل مكة في الإياب والذهاب ، وقد دلهم على بعير ند لهم ، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون ، ثم ترك الإناء مغطى ، وقد صار ذلك دليلاً على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء .

وقع الخبر على أسماع المكذبين :

قال ابن القيم : فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى ، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم وضراوتهم عليه ، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس ، فجلاه الله له ، حتى عاينه ، فطفق يخبرهم عن آياته ، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً ، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه ، وأخبرهم عن وقت قدومها ، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها وكأن الأمر كما قال : فلم يزدهم ذلك إلا نفوراً ، وأبى الظالمون إلا كفوراً .

لماذا لقب أبا بكر بالصديق ؟ :

يقال سمى أبو بكر رضي الله عنه صديقا ، لتصديقه هذه الواقعة حين كذبها الناس .

ولأجل هذه الحكمة وأمثالها نرى أن الإسراء إنما وقع إما قبيل بيعة العقبة الأولى أو بين العقبتين ، والله أعلم .

نبذة عن مسجد البيعة :

لقد تمت بيعة العقبة الأولى في هذا الموضع من منى سنة 12 من النبوة / 621 م حيث بايع 12 شخصا من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة ، كما أن بيعة العقبة الثانية كانت أيضا في هذا الموضع ، وذلك أثناء موسم حج سنة 13 من النبوة / يونيو 622 م ، وحضر هذه البيعة 73 رجلا وامرأتان من أهل المدينة ، ودعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي المدينة المنورة وقالوا : إلى متى ندع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ، وعرفت هذه البيعة أيضا ببيعة العقبة الكبرى ، وبنى أبو جعفر المنصور سنة 144هـ /761م المسجد في موضع البيعة كما هو مصرح في اللوحة التي لا تزال مثبتة في جدار المسجد للقبلة من الخارج . وهو مكون من فناء مكشوف يتقدمه مظلة .

وقد ذكره الأزرقي ( المتوفي : 244هـ ) والفاكهي ( المتوفي : 272هـ ) والحربي وابن الجوزي ( المتوفي : 597هـ ) والفاسي ( المتوفي : 832هـ ) وابن ظهيرة ( المتوفي : 986هـ ) وقد كان موضع اهتمام وعناية خلفاء المسلمين على مر التاريخ ولعل بناؤه الحالي عثماني من الحجر والجص ، وهو على بعد نحو 300 متر عن جمرة العقبة الكبرى على يمين الجسر النازل من منى إلى مكة المكرمة .

طلائع الهجرة :

وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ، ونجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة – وهو أخطر كسب حصل عليه الإسلام منذ بداية دعوته – أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن .

ولم يكن معنى الهجرة إلا إهدار المصالح ، والتضحية بالأموال ، والنجاة بالشخص فحسب ، مع الإشعار بأنه مستباح منهوب ، قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها ، وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم ، لا يدري ما يتمخض عنه من قلاقل وأحزان ، وبدأ المسلمون يهاجرون ، وهم يعرفون كل ذلك ، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم ، لما كانوا يحسون من الخطر ، ولكن مع كل ذلك خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعض . وبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي – أقاما بأمره لهما – وإلا من احتبسه المشركون كرها . وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج ، وأعد أبو بكر جهازه .

انتظار الإذن بالهجرة :

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين ” – وهما الحرتان – فهاجر من هاجر قبل المدينة . ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة ، وتجهز أبو بكر قبل المدينة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” على رسلك ، فإني ارجو أن يؤذن لي ” . فقال له أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : ” نعم ” فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر – وهو الخبط – أربعة أشهر .

                                                              –   انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : المولد وأربعون عاما قبل النبوة ( ص 51 ) وفصل : الإسراء والمعراج ( ص 133 – 135 ) وفصل : طلائع الهجرة ( 150 – 152 ) طبعة : دار ابن حزم .

–        من كتاب تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للمؤلف الدكتور / محمد إلياس عبد الغني حفظه الله – فصل : مسجد البيعة ( ص 131 -132 ) . مطابع الرشيد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *