34. قطوف من السيرة المحمدية ” دورس وعبر من الهجرة النبوية “

                  بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

الدروس والعبر من الهجرة النبوية ، المراجع .

” التفاصيل “

الدروس والعبر من الهجرة النبوية :

1. إن المؤمن إذا كان واثقا من قوته لا يستخفي في عمله ، بل يجاهر فيه ، ولا يبالي بأعداء دعوته ما دام واثقا من التغلب عليهم ، مع أن موقف القوة يرهب أعداء الله ، ويلقى الجزع في نفوسهم .

2. حين ييأس المبطلون من إيقاف دعوة الحق والإصلاح ، وحين يفلت المؤمنون من أيديهم ويصبحون في منجى من عدوانهم  ، يلجأون آخر الأمر إلى قتل الداعية المصلح ظناً منهم  أنهم إن قتلوه تخلصوا منه ، وقضوا على دعوته ، وهذا تفكير الأِشرار أعداء الإصلاح في كل عصر ، وقد شاهدناه ورأينا مثله في حياتنا .

3. إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح ، يفدي قائده بحياته ، ففي سلامة القائد سلامة الدعوة ، وفي هلاكه خذلانها ووهنها ، فما فعله علي رضي الله عنه ليلة الهجرة من بياته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل واضح على التضحية بالنفس من أجل أن يسلم قائده وقائد الدعوة الإسلامية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4. في إيداع المشركين ودائعهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع محاربتهم له وتصميمهم على قتله ، دليل على أن أعداء الإصلاح يوقنون في قرارة نفوسهم باستقامة الداعية وأمانته ونزاهته ، وأنه خير منهم سيرة ، وأنقى سريرة ، ولكن الإصرار والجمود على العادات والعقائد الضالة ، هو الذي يحملهم على محاربته ، ونصب الكيد له ، والتآمر على قتله  إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا .

5. إن تفكير قائد الدعوة ، أو رئيس الدولة ، أو زعيم حركة الإصلاح  في النجاة من تآمر المتربصين والمغتالين  ، وعمله لنجاح خطة النجاة ليستأنف حركته  أشد قوة ومراسا في ميدان آخر ، لا يعتبر جبناً ولا فراراً من الموت ، ولا ضناً بالتضحية بالنفس والروح .

6. في موقف عبد الله بن أبي بكر ما يثبت أثر الشباب في نجاح الدعوات ، فهم عماد كل دعوة إصلاحية ، وباندفاعهم للتضحية والفداء ، تتقدم الدعوات سريعا نحو النصر والغلبة ، ونحن نرى في المؤمنين السابقين إلى الإسلام كلهم شبابا ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره أربعين سنة عند البعثة ، وأبو بكر رضي الله عنه كان أصغر منه بثلاث سنين ، وعمر رضي الله عنه أصغر منهما ، وعلي رضي الله عنه أصغر الجميع ، وعثمان  رضي الله عنه كان أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان عبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن عوف ، والأرقم بن أبي الأرقم ، وسعيد بن زيد ، وبلال بن رباح ، وعمار بن ياسر ، رضي الله عنهم وعن سائر الصاحبة أجمعين ، كل هؤلاء كانوا شبابا ، حملوا أعباء الدعوة على كواهلهم ، فتحملوا في سبيلها الضحيات ، واستعذبوا من أجلها العذاب والألم والموت ، وبهؤلاء انتصر الإسلام ، وعلى جهودهم وجهود إخوانهم قامت دولة الخلفاء الراشدين ، وتمت الفتوحات الإسلامية الرائعة ، وبفضلهم وصل إلينا الإٍسلام الذي حررنا الله به من الجهالة والضلالة والوثنية والكفر والفسوق .

7. وفي موقف عائشة وأسماء رضي الله عنهما أثناء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت حاجة الدعوات الإصلاحية إلى النساء ، فهن أرق عاطفة ، وأكثر اندفاعا ، وأسمح نفسا ، وأطيب قلبا ، والمرأة إذا آمنت بشيء لم تبال في نشره والدعوة إليه بكل صعوبة وعملت على إقناع زوجها وإخوتها وأبنائها به ، ولجهاد المرأة في سبيل الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صفحات بيضاء مشرقة ، تؤكد لنا اليوم أن حركة الإصلاح الإسلامي ستظل وئيدة الخطى ، قليلة الأثر في المجتمع حتى تشترك فيها المرأة ، فتنشئ جيلا من الفتيات على الإيمان والخلق والعفة والطهارة ، هؤلاء أقدر على نشر هذه القيم التي يحتاج إليها مجتمعنا اليوم في أوساط النساء والرجال ، عدا أنهن سيكن زوجات وأمهات ، وأن الفضل الكبير في تربية الصغار الصحابة ثم التابعين من بعدهم يعود إلى نساء الإسلام اللاتي أنشأن هذه الأجيال على أخلاق الإسلام وآدابه ، وحب الإسلام ورسوله ، فكانت أكرم الأجيال التي عرفها التاريخ في علو الهمة ، واستقامة السيرة ، وصلاح الدين والدنيا .

8. وفي عمى أبصار المشركين عن رؤية  رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في ” غار ثور ” وهم عنده ، مثلٌ تخشع له القلوب من أمثلة العناية الإلهية برسله ودعاته وأحبابه ، فما كان الله في رحمته لعباده  ليسمح أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين  فيقضوا عليه وعلى دعوته وهو الذي أرسله رحمة للعالمين ، وكذلك يعوّد  الله عباده الدعاة المخلصين  أن  يلطف بهم في ساعات الشدة ، وينقذهم من المآزق الحرجة ، ويعمي عنهم – في كثير من الأحيان – أبصار المتربصين لهم بالشر والغدر ، وليس في نجاة الرسول وصاحبه بعد أن أحاط بهما المشركون في ” غار ثور ” إلا تصديق قول الله تبارك وتعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) سورة غافر : 51 ، وقوله تبارك وتعالى : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) سورة الحج : 38 .

9. وفي خوف أبي بكر الصديق وهو في الغار من أن يراهما المشركون مثلُ لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الأمين حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته . فما كان أبو بكر وقتئذ بالذي يخشى على نفسه من الموت ، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزاء له القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان يخشى على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين .

  1. وفي جواب الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر تطميناً له على قلقه ” يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ” مثل من أمثلة الصدق في الثقة بالله والاطمئنان إلى نصره ، والاتكال عليه عند الشدائد ، وهو دليل واضح على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوى النبوة ، فهو في أشد المآزق حرجا ، ومع ذلك تبدو عليه أمارات الاطمئنان إلى أن الله بعثه هدى ورحمة للناس لن يتخلى عنه في تلك الساعات ، فهل ترى مثل هذا الاطمئنان يصدر عن مدع للنبوة ، منتحل صفة الرسالة ؟ وفي مثل هذه الحالات يبدو الفرق واضحا بين دعاة الإصلاح وبين المدعين له والمنتحلين لاسمه ، أولئك تفيض قلوبهم دائما وأبداً بالرضى عن الله ، والثقة بنصره ، وهؤلاء يتهاوون عند المخاوف ، وينهارون عند الشدائد ، ثم لا تجد لهم من الله وليا ولا نصيرا .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب السيرة النبوية دروس وعبر للمؤلف الدكتور / مصطفى السباعي رحمه الله . طبعة / دار الوراق ( ص 76 – 82 ) . ” بتصرف “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *