بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ المجاهد أحمد ياسين ( 1938 – 2005 )
” الذي لا رأي له ، رأسه كمقبض الباب ، يستطيع أن يديره كل من يشاء ”
مولده ونشأته :
هو الشيخ أحمد إسماعيل ياسين الذي ولد في جورة عسقلان قضاء المجدل عام 1938 م ليعيش بعدها مدة من شظف العيش وقسوته ؛ فقد مات والده وهو ابن خمس سنين ، واضطر إلى اللجوء إلى قطاع غزة عقب هزيمة عام 1948 م وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره واقتات هو وأهله ما كان يتبقى من معسكرات الجيش المصري هناك ثم كانت ثالثة الأثافي في عام 1952 م حين تعرض لحادثة وهو ابن الرابعة عشرة أثناء ممارسته الرياضة مع بعض أقرانه ؛ حيث أصيب بكسر في فقرات العنق نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تاماً ليعرف حينها أنه سيبقى رهين الكرسي طيلة حياته . كما عانى الشيخ المجاهد خلال حياته كذلك – إضافة إلى الشلل التام – من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية في مدة سجنه وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى .
إلا أن هذا الشلل وهذه الأمراض لم تثن عزيمة الشيخ فترك الشيخ الدراسة لمدة عام ( 1949 – 1950 ) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة ثم عاود الدراسة مرة أخرى . فأكمل تعليمه الثانوي في العام الدراسي 57 / 1958 م ، ثم نجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض على حالته الصحية فعمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية ثم عمل خطيباً ومرساً في مساجد غزة أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته في الحق .
نشاطه السياسي :
اعتنق الشيخ أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 م والتي تدعو إلى فهم صحيح للإسلام وتطبيق مبادئه في مناحي الحياة كافة وفق ما تذكر أدبياتها. اعتقلته السلطات المصرية في عام 1965 م لمدة شهر واحد .
كما شارك الشهيد الشيخ الرمز وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم .
كانت مواهب الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة ، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك ، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية التي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954 ، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان . وقد تركت مدة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله : ” إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم ، وأكدت ( مدة الاعتقال ) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية ” .
وبعد هزيمة 1983 م استمر الشيخ أحمد ياسين رغم الاحتلال في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه ونشط كذلك في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين ثم أسس المجمع الإسلامي في غزة عام 1973 م وبقي رئيساً له حتى عام 1984م.
وفي عام 1983 اعتقل الشيخ أحمد ياسين بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة الدولة العبرية من الوجود وقد حوكم الشيخ أمام محكمة عسكرية صهيونية أصدرت عليه حكماً بالسجن لمدة 13 عاماً ثم ما لبث أن أفرج عنه عام 1985 م في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، بعد أن أمضى 11 شهراً في السجن .
أسس الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من النشطاء الإسلاميين تنظيماً لحركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” في قطاع غزة في العام 1987 .
داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله أواخر شهر آب / أغسطس 1988 ، وقامت بتفتيشه وهددته بدفعه في مقعده المتحرك عبر الحدود ونفيه إلى لبنان .
وفي ليلة 18 / 5 / 1989 قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة ” حماس ” في محاولة لوقف المقاومة المسلحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء .
وفي يوم 16 أكتوبر / تشرين الأول 1991 أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه خمسة عشر عاماً بعد أن وجهت للشيخ لائحة اتهام تتضمن 9 بنود منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة ” حماس ” وجهازيها العسكري والأمني .
وفي 13 / 12 / 1992 قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنّون ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان ، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية في منزل في قرية بيرنبالا قرب القدس .
أفرج عنه فجر يوم الأربعاء 1 / 1 / 1997 بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن والكيان الصهيوني للإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين صهيونيين اعتقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس ” .
وخلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية سبتمبر 2000 شاركت حركة ” حماس ” بزعامة أمير الشهداء الشيخ ياسين في مسيرة المقاومة الفلسطينية بفاعلية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها وبناء جهازها العسكري حيث تتهم سلطات الاحتلال الصهيوني ” حماس ” تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية وظلت قوات الاحتلال الصهيوني تحرض دول العالم على اعتبارها حركة إرهابية وتجميد أموالها وهو ما استجابت له أوربا حينما خضع الاتحاد الأوربي عام 2003 للضغوط الأمريكية والصهيونية وضمت الحركة بجناحها السياسي إلى قائمة المنظمات الإرهابية .
وبسبب اختلاف سياسة ” حماس ” عن السلطة كثيراً ما كانت تلجأ السلطة للضغط على ” حماس ” ، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية .
محاولة اغتياله :
في 13 يونيو 2003 ، أعلنت المصادر الإسرائيلية أن الشيخ ياسين لا يتمتع بحصانة وأنه عرضة لأي عمل عسكري إسرائيلي . وفي 6 سبتمبر / أيلول 2003 تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال إسرائيلية عندما قامت المقاتلات الإسرائيلية من طراز F / 16 بإلقاء قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزّة ، وكان الشيخ أحمد ياسين متواجداً في شقّة داخل المبنى المستهدف مع مرافقه إسماعيل هنية فأصيب الشيخ ياسين بجروح طفيفة جرّاء القصف . وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بعد الغارة الجوية أن الشيخ أحمد ياسين كان الهدف الرئيس من العملية الجوية.
استشهاده :
استشهد الشيخ أحمد ياسين وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره بعد مغادرته مسجد المجمّع الاسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة وأدائه صلاة الفجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون . حيث قامت المروحيات الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه فسقط الشيخ قتيلاً في لحظتها وجُرح اثنان من أبناء الشيخ في العملية وقُتِلَ 7 من مرافقيه .
وبعد استشهاده سالت الدموع بغزارة من عيون الفلسطينيين حزنا على فراق الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” .. في حين علت أصوات المساجد مؤبنة هذا الرجل القعيد الذي شهدته ساحاتها خطيباً وداعية ومحرضا للناس على الجهاد والمقاومة .
ولم يكن صباح مدينة غزة عادياً هذا اليوم 22 / 3 / 3002 ، حيث تلبدت السماء بدخان أسود انطلق من النيران التي أشعلت في إطارات السيارات وضج صمتها أصوات القنابل المحلية الصوت الذي أطلقه الفتية.
آلاف الفلسطينيين هرعوا من نومهم غير مصدقين النبأ ، نبأ استشهاد شيخ الانتفاضتين ( كما كان يطلق عليه أنصار حماس ) تجمهروا أمام ثلاجات الشهداء بمستشفى الشفاء بغزة حيث يرقد الشيخ الذي طالما رأوا فيه الأب قبل القائد والأخ قبل المقاتل العنيد .
وهناك اختلطت المشاعر شبان يبكون وأطفال يهتفون ومجاهدون يتوعدون بالثأر وشيوخ التزموا الصمت إلا من دموع قد تحجرت في المقل حزنا على الشيخ الذي يعد أحد أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي .
قال الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي – رحمه الله – مرة : ” أنا لم أرَ إنساناً في حياتي فوَّض أمره إلى الله كالشيخ أحمد ياسين ” .
* وبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين – رحمه الله – رثاه الشاعر
د / عبد الرحمن العشماوي بقصيدة رائعة تصف الحال بعد استشهاده ، وهي :
هم أكسبوك من السباق رهانا | * | فربحت أنت وأدركوا الخسرانا |
هم أوصلوك إلى مُناك بغدرهم | * | فأذقتهم فوق الهوان هوانا |
إني لأرجو أن تكون بنارهم | * | لما رموك بها ، بلغت جِنانا |
غدروا بشيبتك الكريمة جهرةً | * | أبشر فقد أورثتهم خذلانا |
أهل الإساءة هم ، ولكن ما دروا | * | كم قدموا لشموخك الإحسانا |
لقب الشهادة مَطْمَحٌ لم تدَّخر | * | وُسْعَاً لتحمله فكنت وكانا |
يا أحمد الياسين ، كنت مفوهاً | * | بالصمت ، كان الصمت منك بيانا |
ما كنت إلاّ همة وعزيمةً | * | وشموخ صبرٍ أعجز العدوانا |
فرحي بنيل مُناك يمزج دمعتي | * | ببشارتي ويخفِّف الأحزانا |
وثَّقْتَ بالله اتصالك حينما | * | صليت فجرك تطلب الغفرانا |
وتلوت آيات الكتاب مرتلاً | * | متأملاً .. تتدبر القرآنا |
جبهتك الكريمة ساجدا | * | إن السجود ليرفع الإنسانا |
وخرجت يتبعك الأحبة ، ما دروا | * | أن الفراق من الأحبة حانا |
كرسيك المتحرك اختصر المدى | * | وطوى بك الآفاق والأزمانا |
علمته معنى الإباء ، فلم يكن | * | مثل الكراسي الراجفات هوانا |
معك استلذ الموت ، صار وفاؤه | * | مثلاً ، وصار إباؤه عنوانا |
أشلاء كرسي البطولة شاهدٌ | * | عدل يدين الغادر الخوانا |
لكأنني أبصرت في عجلاته | * | ألماً لفقدك ، لوعة وحنانا |
حزناً لأنك قد رحلت ، ولم تعد | * | تمشي به ، كالطود لا تتوانى |
إني لتسألني العدالة بعدما | * | لقيت جحود القوم ، والنكرانا |
هل أبصرت أجفان أمريكا اللظى | * | أم أنها لا تملك الأجفانا ؟ |
وعيون أوربا تُراها لم تزل | * | في غفلة لا تبصر الطغيانا |
هل أبصروا جسدا على كرسيه | * | لما تناثر في الصباح عيانا |
أين الحضارة أيها الغرب الذي | * | جعل الحضارة جمرةً ، ودخانا |
عذراً ، فما هذا سؤالُ تعطُّفٍ | * | قد ضلَّ من يستعطف البركانا |
هذا سؤالٌ لا يجيد جوابه | * | من يعبد الأهواء والشيطانا |
يا أحمدُ الياسين ، إن ودعتنا | * | فلقد تركت الصدق والإيمانا |
أنا إن بكيتُ فإنما أبكي على | * | مليارنا لما غدوا قُطعانا |
أبكي على هذا الشتات لأمتي | * | أبكي الخلاف المُرَّ ، والأضغانا |
أبكي ولي أملٌ كبيرٌ أن أرى | * | في أمتي من يكسر الأوثانا |
إلا ربيعاً بالهدى مُزدانا | * | في شعر لحيتك الكريمة صورةٌ |
للفجر حين يبشِّر الأكوانا | * | فرحتْ بك الحورُ الحسان كأنني |
بك عندهن مغرِّداً جَذْلانا | * | قدَّمْتَ في الدنيا المهورَ وربما |
بشموخ صبرك قد عقدت قِرانا | * | هذا رجائي يابن ياسين الذي |
شيَّدتُ في قلبي له بنيانا | * | دمُك الزَّكيُّ هو الينابيع التي |
تسقي الجذور وتنعش الأغصانا | * | روَّيتَ بستانَ الإباء بدفقه |
ما أجمل الأنهارَ والبستانا | * | ستظل نجماً في سماء جهادنا |
يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا |
المرجع :
أيتام غيروا مجرى التاريخ ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / مكتبة العبيكان ” 139 – 152 ” ، فصل : الشيخ المجاهد أحمد ياسين رحمه الله ، بتصرف.