من الأمثال يُذكر أن قنبرة اتخذت أدحية ( وكراً ) وباضت فيها على طريق الفيل وكان للفيل مشرب يتردد إليه فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطيء عش القنبرة وهشم بيضها وقتل فراخها ، فلما نظرت ما ساءها علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره .
فطارت فوقعت على رأسه باكية ثم قالت : أيها الفيل لم هشمت بيضي وقتلت فراخي وأنا في جوارك ؟ أفعلت هذا استصغارا منك لأمري واحتقاراً لشأني قال : هو الذي حملني على ذلك ، فتركته وانصرفت إلى جماعة الطير فشكت إليها ما نالها من الفيل فقلن لها : وما عسى أن نبلغ منه ونحن طيور ؟ فقالت للعقاعق والغربان : أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه ، فإني أحتال له بعد ذلك بحيلة أخرى . فأجبنها إلى ذلك وذهبن إلى الفيل فلم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما ، وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه مشربه إلا ما يقمه ( يتناوله عن وجه الأرض ) من موضعه .
فلما علمت ذلك منه جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثيرة ، فشكت إليها ما نالها من الفيل . قالت الضفادع : ما حيلتنا نحن في عظم الفيل ، وأين نبلغ منه؟ قالت : أحب منكن أن تصرن معي إلى وهدة ( هوة ) قريبة منه فتنققن فيها وتضججن . فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها ، فأجبنها إلى ذلك واجتمعن في الهاوية. فسمع الفيل نقيق الضفادع وقد جهده العطش فأقبل حتى وقع في الوهدة فاعتطم فيها ، وجاءت القنبرة ترفرف على رأسه وقالت : أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري كيف رأيت عِظمَ حيلتي مع صغر جثتي عند عِظمَ جثتك وصغر همتك. انتهى.
الشاهد :
لا تستهن بعدوك مهما ضعف !
المرجع :
كليلة ودمنة ، عبد الله بن المقفع ، ط / دار الحديث ” ص 17 ، 18 ” ، مثل القنبرة والفيل ، بتصرف.