22. قطوف من السيرة المحمدية ” الهجرة الثانية “

بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

الأمر بالهجرة الثانية ، مكيدة قريش بمهاجري الحبشة ، النجاشي يقف موقف القاضي الفطن ، فائدة من موقف النجاشي في حكمه ، وقفة مع المتحدث الرسمي جعفر الطيار ،  النجاشي يستمع للقرآن ، محاولة أخرى لتشويه صورة المهاجرين عند النجاشي ، المراجع .

” التفاصيل “

الأمر بالهجرة الثانية :

بعد نجاح الهجرة الأولى إلى الحبشة اشتد على المسلمين الذين لم يتمكنوا من الهجرة الأولى البلاء والعذاب من قريش ، وسطت بهم عشائهم ، فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ، ولم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى ، وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها ، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها ، بيد أن المسلمين كانوا أسرع ، ويسر الله لهم السفر ، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا .

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً ويشك فما إذا كان فيهم عمار بن ياسر ، وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة ، وبالأول جزم العلامة محمد سليمان المنصور فوري .

مكيدة قريش بمهاجري الحبشة :

عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمناً لأنفسهم ودينهم ، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين ، وهما ، عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، قبل أن يسلما ، وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته ، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة ، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون ، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم ، حضرا إلى النجاشي ، وقدما لهم الهدايا ثم كلماه ، فقالا له :

أيها الملك ، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء ، فارقوا من قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ، لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عيناً ، وأعلم بما عابوا عليهم ، وعاتبوهم فيه .

النجاشي يقف موقف القاضي الفطن :

وقالت البطارقة : صدقاً أيها الملك ، فأسلمهم إليهما ، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم ولكن رأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية ، وسماع أطرافها جميعاً ، فأرسل إلى المسلمين ، ودعاهم فحضروا ، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائناً من كان ، فقال لهم النجاشي : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل ؟ .

فائدة من موقف النجاشي تجاه الوشاة :

من المعلوم أن كل شخص يرى أن الحق معه وإن كان على خطأ ، ويرى أيضا بأن خصمه على باطل وإن كان على حق فلا ينبغي أن نحكم بين اثنين إلا بعد أن نسمع منهما ثم بعد ذلك نحكم بالحق ولا نميل إلى الجانب الذي يروق لنا وكما قيل ” امسك العصا من الوسط  ” .

المتحدث الرسمي عن الإسلام ” جعفر الطيار رضي الله عنه :

قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكان هو المتكلم عن المسلمين ، أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل منا القوي الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ،  ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فعدد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

وقفة مع خطاب المتحدث الرسمي عن الإسلام ” جعفر الطيار رضي الله عنه :

لاحظنا أن خطاب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه  وكان هو المتكلم عن المسلمين ، كان يتحدث عن أمور أساسية في حياة كل مسلم على وجه الأرض  فأحببنا أن نقف مع بعض ما ذكر في خطابه

 قوله : أمرنا بصدق الحديث : فسأل نفسك يا أيها المسلم كيف حالك مع الصدق في نفسك هل أنت صادق في أقوالك في أفعالك في أعمالك واحتفظ بالإجابة لنفسك فهل الصدق الآن يظهر في حياة المسلمين قولا ، وعملا ، وفعلا  ! .

وقس على ذلك فيما يتعلق في أداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار … إلخ . ولا يخفى أن بعض المسلمين هداهم الله يفتقرون لمثل هذه الأهداف النبيلة في ديننا الحنيف ولا يفوتنا أن نذكر مقولة جميلة للمفكر الإسلامي محمد الغزالي رحمه الله  عندما تطرق إلى المؤتمرات العربية والإسلامية لعلاج أحوال المسلمين حيث قال : ” هي أن يدخل المسلمون في الإسلام ” .

النجاشي يطلب سماع شيء من القرآن :

فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به الله من شيء ؟ فقال له جعفر نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه عليّ ، فقرأ عليه صدراً من ( كهيعص ) فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون ، يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه – فخرجا ،

محاولة أخرى لتشويه صورة المهاجرين عند النجاشي :

قال عمرو ابن العاص لعبد الله بن ربيعة : والله لأتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم ، فقال له عبدالله بن ربيعة : لا تفعل ، فإن لهم أرحاماً وإن كانوا قد خالفونا ، ولكن أصر عمرو على رأيه . فلما كان الغد قال للنجاشي : أيها الملك ! أنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً ، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ، ففزعوا ، ولكن أجمعوا على الصدق ، كائناً من كان ، فلما دخلوا عليه ، وسألهم قال له جعفر : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقها إلى مريم العذراء البتول . فأخذ النجاشي عوداْ من الأرض ، ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود  فتأخرت بطارقته ، فقال : وإن نخرتم والله . ثم قال للمسلمين : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي – والشيوم : الآمنون بلسان الحبشة – من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأني  آذيت رجلاً منكم – والدبر الجبل بلسان الحبشة . ثم قال لحاشيته : ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوا الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فاخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فـي ّ فأطيعهم فيه .

قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة : فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاؤوا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار . هذه رواية ابن إسحاق , وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين ، لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها ابن إسحاق تقريباً ثم إن تلك الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله –  الفصول : الهجرة الأولى إلى الحبشة  + مكيدة قريش بمهاجري الحبشة .

–        من كتاب قذائف الحق للمؤلف الشيخ / محمد الغزالي رحمه الله – الفصل الثامن : مبحث : التنادي بالجهاد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *