33. قطوف من السيرة المحمدية ” نهاية العهد المكي “

  بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

الإذن بالهجرة ، تطوير منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نبينا الكريم يغادر بيته ، الخيبة والفشل تحل على المحاصرين ، من الدار إلى الغار ، الحرب خدعة ، نبذة عن غار ثور ، إذ هما في الغار ، نهاية العهد المكي ، المراجع .

” التفاصيل “

الإذن بالهجرة :

لما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل إليه جبريل بوحي ربه تبارك وتعالى ، فأخبره بمؤامرة قريش ، وأن الله قد أذن له في الخروج ، وحدد له وقت الهجرة قائلا : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .

وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة إلى أبي بكر رضي الله عنه ؛ ليبرم معه مراحل الهجرة ، قالت عائشة رضي الله عنها : بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متقنعا ، في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .

قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ” أخرج من عندك ” . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك ، بأبي أنت يا رسول الله . قال : ” فإني قد أذن  لي في الخروج ” ، فقال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعم ” .

تطويق منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة : ” دار الندوة ” صباحا . واختير لذلك أحد عشر رئيسا من هؤلاء الأكابر نذكر منهم : أبو جهل بن هشام ، الحكم بن العاص ، عقبة بن أبي معيط ، النضر بن الحارث ، أبو لهب … . قال ابن إسحاق : فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام ، فيثبون عليه . وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية . وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل ، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر ، ولكن الله غالب على أمره ، بيده ملكوت السماوات والأرض ، يفعل ما يشاء ، وهو يجير ولا يجار عليه ، فقد فعل ما خاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد :  ”  وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ” ” سورة الأنفال : 30 ” .

نبينا الكريم يغادر بيته :

ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلا فاحشا . ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : ” نم على فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ” . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم ، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم ، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه ، وهو يتلو : ” وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم  فهم لا يبصرون ” ” سورة ياسين : 9 ” . فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ومضى إلى بيت أبي بكر ، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن .

الخيبة والفشل تحل على المحاصرين  :

وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر ، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل ، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم ، ورآهم ببابه فقال : ما  تنتظرون ؟ قالوا : محمدا . قال خبتم وخسرتم ، قد والله مر بكم ، وذر على رؤوسكم التراب ، وانطلق لحاجته ، قالوا : والله ما أبصرناه ، وقاموا ينفضون التراب على رؤوسهم . ولكنهم تطلعوا من صير البال فرأوا عليا ، فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . وقام علي عن الفراش ، فسقط في أيديهم ، وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا علم لي به .

من الدار إلى الغار :

غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622 م . وأتى إلى دار رفيقه – وأمن الناس عليه في صحبته وماله – أبي بكر رضي الله عنه . ثم غادرا منزل الأخير من باب خلفي ،  ليخرجا من مكة على عجل ، وقبل أن يطلع الفجر .

الحرب خدعة :

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قريشا ستجد في الطلب ، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيس المتجه شمالا ، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما ، وهو الطريق الواقع جنوب مكة ، والمتجه نحو اليمن . سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال ، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور ، وهذا جبل شامخ ، وعر الطريق ، صعب المرتقى ، ذا أحجار كثيرة ، فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه ، وأيا ما كان ؛ فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل ، وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل ، عرف في التاريخ بغار ثور .

نبذة عن غار ثور :

غار ثور :  يقع في جبل ثور : وهو في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام على بعد نحو ( 4 ) كم ، وارتفاعه نحو ( 748 ) م من سطح البحر ، ونحو ( 458 ) م من سفح الجبل ، وهذا الغار صخرة مجوفة أشبه بسفينة  صغيرة ظهرها إلى الأعلى ، وأقصى ارتفاعه 1.25 م ، وأقصى طوله وعرضه (3.5 م × 3.5 م ) ، وله فتحتان فتحة في ناحية الغرب ، وهي التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يدخل منها الشخص زاحفا على بطنه ، ووسعت في بداية القرن التاسع الهجري ونهاية القرن الثالث عشر الهجري . وأقصى ارتفاعها متر واحد مع الدرج المنحوت بأسفلها ، وفتحة في الشرق ، وهي أوسع من الأول ، ويقال : إنها محدثة ليسهل على الناس الدخول إلى الغار والخروج منه ، وبين الفتحتين 3.50 م ، وهذا الغار دون القمة وصعب المرتقى ويستغرق الصعود إليه نحو ساعة ونصف .

إذ هما في الغار :

ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى هذا الغار حين قصدا الهجرة إلى المدينة دخل أبو بكر قبله فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، ويرجع بسحر فيصبح مع قريش بمكة ، ويأتيهما بخبرهم حين يختلط الظلام ، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يتبع بغنمه أثر عبد الله بعد ذهابه ليعفي عليه .  وقد ورد ذكر هذا الغار في قوله تعالى : ” إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها … ” سورة التوبة : 40 ” . وعن أبي بكر رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ، فرأيت آثار المشركين ، قلت : يا رسول لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا ، قال : ما ظنك باثنين الله ثالثهما . وبعد ثلاث ليال لما خمدت عنهما نار الطلب جاءهما الدليل عبد الله بن أريقط بالراحلتين  ، فارتحلا ، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ، وواصلوا سيرهم إلى المدينة المنورة .

نهاية العهد المكي :

إلى هنا ينتهي العهد المكي وبه ينتهي الجزء الأول من قطوف من السيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة  وأزكى التسليم فإن كان صوابا فمن الله وإن كان به خطأ أو زيادة أو نقص أو نسيان فمن نفسي والشيطان وارجو الله التوفيق والسداد .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 156 – 159 ) . طبعة : دار ابن حزم .

–        من كتاب تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للمؤلف الدكتور / محمد إلياس عبد الغني حفظه الله – فصل : غار ثور ( ص 128 – 130 ) . مطابع الرشيد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *