38. قطوف من السيرة المحمدية ” إرهاصات قبيل معركة بدر “

   بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

استفزازات قريش ضد المسلمين بعد الهجرة واتصالهم بعبد الله بن أبي ، السبب في حقد رأس المنافقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إعلان عزيمة الصد عن المسجد الحرام ، قريش تهدد المهاجرين ، الإذن بالقتال ، المراجع .

” التفاصيل “

استفزازات قريش ضد المسلمين بعد الهجرة واتصالهم بعبد الله بن أبي :

قد أسلفنا ما كان يأتي به كفار مكة من  التنكيلات والويلات ضد المسلمين وما فعلوا بهم عند الهجرة ، مما استحقوا لأجله المصادرة والقتال ، إلا أنهم لم يكونوا ليفيقوا من غيهم ، ويمتنعوا عن عدوانهم ، بل زادهم غيظاً أن فاتهم المسلمون ووجدوا مأمنا ومقرا بالمدينة ، فكتبوا إلى عبدالله بن أبي ابن سلول ، وكان إذ ذاك مشركا بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة ، فمعلوم أنهم كانوا مجتمعين عليه ، وكادوا يجعلونه ملكاً على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، كتبوا إليه وإلى أصحابه المشركين يقولون لهم كلمات باتة : أنكم آويتم صاحبنا ، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه ، أو لنسيرن عليكم  بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ، ونستبيح نساءكم .

السبب في حقد رأس المنافقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم :

وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة وقد كان يحقد على النبي صلى الله عليه وسلم لما يراه أنه أستلبه ملكه ، يقول عبد الرحمن بن كعب : فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من  عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم ، فقال : لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ، ما كنت تكبدهم بأكثر مما تريدون أن تكبدوا به أنفسكم ، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا .

امتنع عبدالله بن أبي ابن سلول عن إرادة القتال عند ذاك ، لما رأى خوراً أو رشداًَ في أصحابه ، ولكن يبدو أنه كان متواطئاً مع قريش ، فكان لا يجد فرصة إلا وينتهزها لإيقاع الشر بين المسلمين والمشركين ، وكان يضم معه اليهود ، ليعينوه على ذلك ، ولكن تلك هي حكمة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت تطفيء نار شرهم حيناً بعد حين .

إعلان عزيمة الصد عن المسجد الحرام  :

ثم إن سعد بن معاذ انطلق من مكة معتمراً ، فنزل على أمية بن خلف بمكة ، فقال لأمية ، انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت ، فخرج به قريباً من لقف النهار ، فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان ، من هذا معك ؟ فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة آمناً ، وقد آويتم الصباه ، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً ، فقال له سعد ورفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه ، طريقك على أهل المدينة .

قريش تهدد المهاجرين  :

ثم إن قريشاً أرسلت إلى المسلمين تقول لهم : لا يغرنكم أنكم  أفلتمونا  إلى يثرب ، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم . ولم يكن هذا كله وعيداً مجرداً ، فقد تأكد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من  مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهراً ، أو في حرس من الصحابه ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة ، فقال : ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ، قالت : فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح ، فقال : من هذا ؟ قال : سعد بن أبي وقاص ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك ؟ فقال : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام .

ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمراً مستمراً ، فقد روي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً ، حتى نزل ( والله يعصمك من الناس ) فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة ، فقال : ( يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل ) ، ولم يكن الخطر مقتصراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل على المسلمين كافة ، فقد روى أبي بن كعب ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار ومنهم العرب عن قوس واحدة ، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه .

الإذن بالقتال  :

في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة ، والتي كانت تنبيء عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم ، ولا يمتنعون عن تمردهم بحال ، أنزل الله تعالى الإذن بالقتال للمسلمين ، ولم يفرضه عليهم قال تعالى : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) الحج 39 ، وأنزل هذه الآية ضمن آيات أرشدتهم إلى أن هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الله قال تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) الحج 41 .

والصحيح الذي لا مندوحة عنه أن هذا الإذن إنما نزل بالمدينة بعد الهجرة لا بمكة ، ولكن لا يمكن لنا القطع بتحديد ميعاد النزول . نزل الإذن بالقتال ، ولكن كان من الحكمة إزاء هذه الظروف – التي مبعثها الوحيد هو قوة قريش وتمردها – أن يبسط المسلمون سيطرتهم على طريق قريش التجارية المؤدية من مكة إلى الشام ، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبسط هذه السيطرة خطتين :

الأولى :  عقد معاهدات الحلف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي كانت مجاورة لهذا الطريق ، أو كانت تقطن ما بين هذا الطريق وما بين المدينة ، وقد أسلفنا معاهدته صلى الله عليه وسلم مع اليهود ، وكذلك كان عقد معاهدة الحلف أو عدم الاعتداء مع جهينة قبل الأخذ في النشاط العسكري ، وكانت مساكنهم على ثلاثة مراحل من المدينة ، وقد عقد معاهدات أثناء دورياته العسكرية وسيأتي ذكرها .

الثانية : إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : الكفاح الدامي ( ص 187 – 190 ) . طبعة : دار ابن حزم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *