ثم تأمل بعد ذلك أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول ، وما فيها من المصالح والحكم ، إذ لو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت الفصول الباقية فيه ، فلو كان صيفا كله لفاتت منافع مصالح الشتاء ، ولو كان شتاء لفاتت منافع الصيف ، وكذلك لو كان ربيعا كله ، خريفا كله .
فصل الشتاء :
ففي الشتاء تغور الحرارة في الأجواف وبطون الأرض والجبال فتتولد مواد الثمار وغيرها ، وتبرد الظواهر ويستكثف الهواء فيه ، فيحصل السحاب والمطر والثلج والبرد الذي به حياة الأرض وأهلها ، واشتداد أبدان الحيوان وقوتها ، وتزايد القوى الطبيعية واستخلاف ما حلله حرارة الصيف من الأبدان .
وأبراجه تنحصر في : الجدي والدلو والحوت .
فصل الربيع :
وفي الربيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء فيظهر النبات ويتنور الشجر بالزهر ، ويتحرك الحيوان للتناسل . فالربيع برزخ بين الشتاء والصيف ينتقل فيه الحيوان من برد هذا إلى حر هذا بتدريج وترتيب .
وأبراجه تنحصر في : الحمل والثور والجوزاء .
فصل الصيف :
وفي الصيف يحتد الهواء ويسخن جدا فتنضج الثمار وتنحل فضلات الأبدان والأخلاط التي انعقدت في الشتاء وتغور البرودة وتهرب إلى الأجواف ، ولهذا تبرد العيون والآبار ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة ، لأنها كانت تهضمها بالحرارة التي سكنت في البطون ، فلما جاء الصيف خرجت الحرارة إلى ظاهر الجسد ، وغارت البرودة فيه .
وأبراجه تنحصر في : السرطان و الأسد والسنبلة .
فصل الخريف :
فإذا جاء الخريف اعتدل الزمان وصفا الهواء وبرد فانكسر ذلك السموم ، وجعله الله بحكمته برزخا بين سموم الصيف وبرد الشتاء لئلا ينتقل الحيوان وهلة واحدة من الحر الشديد إلى البرد الشديد فيجد أذاه ويعظم ضرره ، فإذا انتقل إليه بتدريج وترتيب لم يصعب عليه فإنه عند كل جزء يستعد لقبول ما هو أشد منه ، حتى تأتي جمهرة البرد بعد استعداد وقبول .
حكمة بالغة وآية ظاهرة فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين .
وأبراجه تنحصر في : الميزان والعقرب والقوس . انتهى .
ودمتم بود .
المراجع :
من كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة .
فصل : في الاستدلال بالآيات القرآنية .
من كتاب قل انظروا .
فصل : الشمس وفصول السنة .
للمؤلف :
الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله .
” بتصرف “