التشاؤم بشهر صفر

التشاؤم من الاعتقادات الجاهلية التي انتشرت – وللأسف الشديد – بين كثير من جُهّال المسلمين ، نتيجة جهلهم بالدين عُموماً ، وضعف عقيدة التوحيد فيهم خُصوصاً ، وسبب ذلك الجهل ، ونقض التوحيد ، وضعف الإيمان : هو عدم انتشار الوعي الصحيح فيهم ، ومخالطة أهل البدع والضلال ، وقلّة من يرشدهم ويُبيّن لهم الطريق المستقيم ، وما يجب اعتقاده ، وما لا يجوز اعتقاده ، وما هو شرك أكبر يُخرج المسلم من الملّة الإسلامية وما هو شرك أصغر … الخ.

ومع ذلك لا زال كثير من الناس يتشاءمون من شهر صفر ، ومن السفر فيه ، فلا يُقيمون فيه مناسبةً ولا فرحاً ، فإذا جاء في نهاية الشهر ، احتفلوا في الأربعاء الأخير احتفالاً كبيراً ، فأقاموا الولائم والأطعمة المخصوصة والحلوى خارج القرى والمدن وجعلوا يمشون على الأعشاب للشفاء من الأمراض.

وهذا لا شك أنّه من الجهل الموقع في الشرك – والعياذ بالله – ومن البدع الشركية ويتوقف بالدرجة الأولى على سلامة العقيدة ، فهذه الأمور لا تصدر إلا ممن يشوب اعتقاده بعض الأمور الشركية ، التي يجرّ بعضها بعضاً كالتوسلات الشركية ، والتبرك بالمخلوقين والاستغاثة بهم.

أما من أنعم الله عليه بسلامة العقيدة ، وصحتها ، فإنّه دائماً متوكل على الله معتمدٌ عليه ، موقن بأنّ ما أصابه لم يكون ليخطئه ، وما أخطأه لم يكون ليصيبه ، وأنّ التشاؤم والطيرة ، واعتقاد النفع أو الضرّ في غير الله ، ونحو ذلك كله من الشرك الذي هو من أشد الظلم ، قال الله تعالى : { … إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } (13) سورة لقمان ، والتشاؤم ممّا يُنافي تحقيق التوحيد ، وتحقيق التوحيد منه ما يكون واجباً ، ومنه ما يكون مندوباً.

فالواجب : تخليصه وتصفيته عن شوائب الشرك والبدع والمعاصي ، فالشرك يُنافيه بالكلية ، والبدع تُنافي كماله الواجب ، والمعاصي تقدح فيه وتُنقص ثوابه. فلا يكون العبد مُحققاً التوحيد حتي يسلم من الشرك بنوعيه ، ويسلم من البدع والمعاصي.

والمندوب :  تحقيق المقرّبين كما في قوله جلّ شأنه : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } (10 – 12) سورة الواقعة ، وهو انجذاب الروح إلى الله محبّة ً وخوفاً وإنابةً وتوكلاً ودعاءً وإخلاصاً ، وإجلالاً وهيبةً ، وتعظيماً وعبادةً ، فلا يكون في قلبه شيء لغير الله ولا إرادة لما حرّم الله ، ولا كراهة لما أمر الله ، وذلك هو حقيقة لا إله إلا الله. انتهى.

المرجع :

المناسبات الموسمية بين الفضائل والبدع والأحكام ، د / حنان بنت علي اليماني ، ط / مكتبة الأسدي ” 42 – 44 ، فصل : بدع التشاؤم بصفر ، بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *