فصل من أخبار مدعي النبوة

 

الحق لا يشتبه بباطل إنما يموه الباطل عند من لا يفهم له ، وهذا في حق من يدعي النبوات وفي حق من يدعي الكرامات أما النبوات فإنه قد ادعاها خلق كثير ظهرت قبائحهم وبانت فضائحهم ومنها ما يوجبه خسة الهمة والتهتك في الشهوات والتهافت في الأقوال والأفعال حتى افتضحوا . ومنهم

1) الأسود العنسي :

الأسود العنسي ادعى النبوة ولقب نفسه ذا الخمار لأنه كان يقول يأتيني ذو الخمار ، وكان أمر أمره كاهناً يشعوذ فيظهر الأعاجيب فخرج في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكاتبته مذحج وواعد نجران وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفا له اليمن وقاتل شهر بن باذام فقتله وتزوج بنته فأعانت على قتله فهلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان للعقلاء أنه كان يشعبذ .

2) مسيلمة الكذاب :

مسيلمة الكذاب ادعى النبوة وتسمى رحمان اليمامة ، لأنه كان يقول : الذي يأتيني رحمان فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أنه قد أشرك معه فالعجب أنه يؤمن برسول الله ويقول أنه كذاب ثم جاء بقرآن يضحك الناس مثل قوله : يا ضفدع بنت ضفدعين نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأٍسفلك في الطين . ومن العجائب شاة سوداء تحلب لبناً أبيض ، فانتهك ستره في هذه الفصاحة ثم مسح بيده على رأس صبي فذهب شعره وبصق في بيئر وتزوج سجاح التي ادعت النبوة . فقالوا لابد لها من مهر فقال: مهرها أني قد أسقطت عنكم صلاة الفجر والعتمة .

3) سجاح بنت الحارث التميمية :

وكانت سجاح هذه قد ادعت النبوة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاستجاب لها جماعة ، فقال أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم اعبروا على الرباب فليس دونهم حجاب فقاتلوهم ثم قصد اليمامة فهابها مسيلمة فراسلها وأهدى لها فحضرت عنده فقالت : اقرأ عليّ ما يأتيك به جبريل فقال إنكن معشر النساء خلقتن أفواجاً وجعلتن لنا أزواجاً نولجه فيكن إيلاجاً : فقالت صدقت أنت نبي . فقال لها قومي إلى المخدع فقد هيئ لك المضجع فإن شئت ملقاة وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع فقالت : بل به أجمع فهو للشمل أجمع فافتضحت عند العقلاء من أصحابها فقال منهم عطارد بن حاجب :

أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكراناج
فلعنة الله رب الناس كلهم على سجاح ومن بالإفك أغواناج
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيتج أصداؤه من رعيث حيثما كاناجج

ثم إنها رجعت عن غيّها وأسلمت وما زالت تبين فضائع مسيلمة حتى قتل .

4) طلحة بن خويلد :

ومنهم طلحة بن خويلد خرج بعد دعوى مسيلمة النبوة وتبعه أقوام ونزل سميرا فتسمى بذي النون ويقول إن الذي يأتيه يقال له : ذو النون وكان من كلامه : إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا قبح أدباركم شيئاً فاذكروا الله أعفة قياماً ، ومن قرآنه والحمام اليمام والصرد الصوام ليبلغن ملكنا العراق والشام وتبعه عيينة بن حصن فقاتله خالد بن عيينة فجاء عيينة إلى طليحة فقال : ويحك أجاءك الملك ؟ قال : لا فارجع فقاتل فقاتل ثم عاد فقال أجاءك ؟ فقال : لا فعاد فقاتل فقال : أجاءك ؟ قال : نعم . قال : ما قال لك ؟ إن لك جيشاً لا تنساه فصاح عيينة بالرجل : والله كذاب فانصرف الناس منهزمين وهرب طليحة إلى الشام ثم أسلم وصح إسلامه وقتل بنهاوند

5) جندب بن كلثوم :

وذكر الواقدي : أن رجلاً من بني يربوع يقال له : جندب بن كلثوم كان يلقب : كردانا ادعى النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزعم أن دليله على نبوته أن يسرج مسامير الحديد والطين وهذا لأنه كان يطلي ذلك بدهن البيلسان فتعمل به النار .

6) كهمش الكلابي :

وقد تنبأ رجل يقال له كهمش الكلابي وكان يزعم أن الله تعالى أوحى إليه : يا أيها الجائع اشرب لبناً تشبع ، ولا تضرب الذي لا ينفع ، فإنه ليس بمقنع ، وزعم أن دليله على نبوته : أنه يطرح بين السباع الضارية فلا تأكله . وحيلته في ذلك أنه يأخذ دهن الغار وحجر البرسان وقنفدا محرقا وزبد البحر وصدفا محرقا مسحوقا وشيئا من الصبر والحبط فيطلي به جسمه فإذا قربت منه السباع ، فشمت تلك الأرياح زفورتها نفرت .

7) أبو جعوانة العامري :

وقد تنبأ بالطائف رجل يقال له أبو جعوانة العامري وزعم أن دليله أنه يطرح في النار القطن فلا يحترق وهذا لأنه يدهنه بدهن معروف .

8) هذيل بن يعفور من بني سعد بن زهير :

ومنهم هذيل بن بعفور من بني سعد بن زهير حكى عنه الأصمعي : أنه عارض سورة الإخلاص فقال ( قل هو الله أحد ، إله كالأسد ، جالس على الرصد ، لا يفوته أحد )

9) هذيل بن واسع :

ومنهم هذيل بن واسع كان يزعم أنه ولد النابغة الذبياني وعارض سورة الكوثر فقال له رجل : ما قلت ؟ فقال : ( إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر فما يردنك إلا كل فاجر ) . فظهر عليه السنوي فقتله وصلبه على العمود فعبر عليه الرجل فقال : ( إنا أعطيناك العمود فصل لربك من قعود بلا ركوع ولا سجود فما أراك تعود ) .

10) المختار بن أبي عبيد الثقفي :

وممن ظهر فادعى أنه يوحى إليه المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان متخبطاً في دعواه وقتل خلقاً كثيراً وكان يزعم أنه ينصر الحسين – رضوان الله عليه – ثم قتل .

11) حنظلة بن يزيد الكوفي :

ومنهم حنظلة بن يزيد الكوفي كان يزعم أن دليله : أنه يدخل البيضة في القنينة ويخرجها منها صحيحة وذاك أنه كان ينقع البيضة في الخل الحامض فيلين قشرها ثم يصب ماءً في قنينة ثم يدس البيضة فيها فإذا لقيت الماء صلبت

وقد تنبأ أقوام قد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كزرداشت وماني وافتضحوا وما من المدعين إلا من خذل .

وقد جاءت القرامطة بحيل عجيبة وقد ذكرت جمهور هؤلاء وحيلهم في كتابي التاريخ المسمى ( المنتظم ) وما فيهم من يتم له أمر إلا ويفتضح .

ودليل صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أجلى من الشمس فإنه ظهر فقيراً والخلق أعداؤه فوعد بالملك فملك وأخبر بما سيكون فكان وصين في زمن النبوة عن الشره وخساسة الهمة والكذب والكبر وأيد بالثقة والأمانة والنزاهة والعفة وظهرت معجزاته للبعيد والقريب وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي حارت فيه عقول الفصحاء ولم يقدروا على الإتيان بآية تشبهه فضلاً عن سورة وقد قال قائلهم وافتضح ثم أخبر أنه لا يعارض فيه فكان كما قال وذلك قوله تعالى : ( فأتوا بسورة ) ” يونس : 38 ” ثم قال ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ” البقرة : 24 ” وكذلك قوله : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين – ولن يتمنوه ) ” البقرة : 94- 95 ” فمنا تمناه أحد إذ لو قال قائل : قد تمنيته لبطلت دعواه ، وكان يقول ليلة غزاة بدر : ( غداً مصرع فلان هاهنا ) فلا يتعداه وقال : ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ) فما ملك بعدهما من له كبير قدر ولا من استتب له حال …. ونكتفي بهذا القدر بالرغم من أن كلام المؤلف لم ينتهي .

المرجع :

صيد الخاطر ، الإمام ابن الجوزي رحمه الله ، ط / اليمامة ” 432 – 438 ” ، فصل : في أخبار مدعي النبوة ، بتصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *