قطوف من سيرة أمير المؤمنين في الحديث ( الإمام البخاري ) رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام البخاري ( 194 هـ – 256 هـ )

” ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام ”

– المتنبي –

هو الإمام الكبير العَلَم ، أمير المؤمنين في الحديث ، أبو عبد الله ، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري . يعد كتابه المعروف ب ” صحيح البخاري ” المرجع الثاني للمسلمين بعد كتاب الله ؛ وذلك لاحتوائه على مئات الآلاف من الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – .

واشتهر الإمام البخاري بقوة حفظه ودقته في الرواية وصبره على جمع الحديث . وقد شهد له الأئمة بالحفظ والإتقان والعلم والزهد والعبادة ، قال عنه الإمام أحمد رحمه الله : ما أخرجت خراسان مثله .

وقال ابن خزيمة رحمه الله : لم أر تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ من البخاري .

وقال الترمذي رحمه الله : لم أر في العراق ولا في خراسان في معرفة العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من البخاري .

فمن هو الإمام البخاري ؟

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري . ولد في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة 194 هـ في مدينة بخارى ( الواقعة حاليا ضمن جمهورية أوزيكستان ) ، وكانت بخارى آنذاك مركزاً من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء ، واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال ؛ فكان أبوه عالماً محدِّثاً ، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم وكانت أمه امرأة صالحة لا تقل ورعاً وصلاحاً عن أبيه .

ويروى أن الإمام البخاري قد عمىَ في صغره فرأت أمّه رؤيا جاءها فيها الخليل إبراهيم عليه السلام وقال لها : يا هذه ؛ قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك فأصبحت وقد شفى ابنها .

والبخاري ليس من أرومة عربية بل كان تركي الأصل وأول من أسلم من أجداده هو ” المغيرة بن بردزبة ” وكان إسلامه على يد ” اليمان الجعفي ” والي بخارى ؛ فنُسب إلى قبيلته وانتمى إليها بالولاء وأصبح ” الجعفي ” نسباً له ولأسرته من بعده .

نشأ البخاري يتيماً فقد توفي أبوه مبكراً فلم يهنأ بمولوده الصغير لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم ، تدفعه إلى العلم وتحببه فيه وتزين له الطاعات ؛ فشب مستقيم النفس عفَّ اللسان كريم الخلق مقبلا على الطاعة ، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين .

وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث ووجد حلاوته في قلبه فأقبل عليه محباً حتى إنه ليقول عن هذه الحقبة : ” ألهمت حفظ الحديث وأنا في المكتب ( الكُتّاب ) ، ولي عشر سنوات أو أقل ” . كانت حافظته قوية وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئاً مما يُسمع أو يُقرأ وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وغيرها من كتب الأئمة المحدثين .

وكان للبخاري – رحمه الله – أكثر من ألف شيخ التقى بهم في البلدان والأمصار التي رحل إليها ، ومن هؤلاء :

الإمام أحمد بن حنبل وحماد بن شاكر ومكي بن إبراهيم وأبو عاصم النبيل.

وممن روى عن البخاري :

مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح والترمذي والنسائي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم كثير .

وللبخاري مؤلفات عدة أشهرها : الجامع الصحيح والتاريخ الكبير والضعفاء في رجال الحديث والأدب المفرد وخلق أفعال العباد .

صحيح البخاري :

هو أشهر كتب البخاري بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة . بذل فيه الإمام جهداً خارقاً وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاماً هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث . وقد احتوى نحو ستمائة ألف حديث اختار منها ما وثق برواته . وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً على هذا النحو . وهو أوثق كتب الحديث الستَّة . وسبب تأليفه ذكره البخاري في قوله : كنت عند إسحاق بن رَاهَوَيه فقال بعض أصحابنا : لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النبي – صلى الله عليه وسلم – فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب .

وكان البخاري لا يضع حديثاً في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين. وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى وتعهده بالمراجعة والتنقيح ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن .

أقام في بخارى فتعصب عليه جماعة ورموه بالتُّهم فأخرجه أمير بخارى إلى خَرتَنك . قرية من قرى سمرقند . فتوفي فيها ليلة عيد الفطر عام 256 هـ . وقد وضع ضريح على قبره لا يزال موجوداً حتى اليوم .

المرجع :

أيتام غيروا مجرى التاريخ  ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / العبيكان ” 35 – 38 ” ، فصل : الإمام البخاري رحمه الله ، بتصرف.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *