25. قطوف من السيرة المحمدية ” ضربات مدوية تقض مضطجع قريش “

                    بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

تعريف المقاطعة الاقتصادية ، نماذج من صور المقاطعة الاقتصادية عبر التاريخ ، ضربات مدوية تقض مضطجع قريش ، ميثاق الظلم والعدوان ، قول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله عن كاتب الوثيقة ، ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب ،  نقض صحيفة الميثاق ، المراجع .

” التفاصيل “

تعريف المقاطعة الاقتصادية :

       أولا : عرفت الموسوعة العربية العالمية ، المقاطعة الاقتصادية بأنها : ” رفض التعامل مع شخص أو منظمة أو دولة ” . وهذا التعريف غير مانع ؛ لأنه يدخل فيه أنواع أخرى من المقاطعة ، كالمقاطعة السياسية والاجتماعية .

       ثانيا : جاء في المعجم الوسيط تعريف للمقاطعة بشكل عام ، على أنها : ” الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديا أو اجتماعيا وفق نظام جماعي مرسوم ” .

       وبناءً على ما سبق فإننا يمكن أن نعرّف المقاطعة الاقتصادية بأنها : ” الامتناع عن معاملة الآخر اقتصاديا وفق نظام جماعي مرسوم بهدف الضغط عليه لتغيير سياسته تجاه قضية من القضايا ” .

نماذج من صور المقاطعة الاقتصادية عبر التاريخ :

       لقد ذخر التاريخ الإنساني على مر العصور ، بالكثير من الأمثلة والصور التي استخدم فيها سلاح المقاطعة الاقتصادية كوسيلة من وسائل الضغط ، لإخضاع الطرف الآخر لتغيير سياسته تجاه قضية من القضايا ، وقد ذكر المؤلف صورا عديدة نذكر منها ما يخص السيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم فمنها :

تآمر قريش واتفاقهم ، على مقاطعة بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، وذلك بأن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم ، وقد استمرت هذه المقاطعة ثلاث سنوات .

ضربات مدوية تقض مضطجع قريش :

وقعت حوادث ضخمة – بالنسبة إلى المشركين – خلال أربعة أسابيع ، أو في أقل مدة منها ” أسلم حمزة ، ثم أسلم عمر ، ثم رفض محمد صلى الله عليه وسلم مساومتهم ، ثم تواثق بنو المطلب ، وبنو هاشم كلهم مسلمهم وكافرهم ، على حياطة محمد صلى الله عليه وسلم ومنعه ، حار المشركون ، وحقت لهم الحيرة ، إنهم عرفوا أنهم لو قاموا بقتل محمد صلى الله عليه وسلم يسيل وادي مكة دونه بدمائهم ، بل ربما يفضي إلى استئصالهم ، عرفوا ذلك فانحرفوا إلى ظلم آخر دون القتل ، لكن أشد مضاضة عما فعلوا بعد .

ميثاق الظلم والعدوان :

اجتمعوا في خيف بني كنانة من وادي المحصب فتحالفوا ، على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يجالسوهم ، ولا يخالطوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم ، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق” أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل ”  .

قول العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله عن كاتب الوثيقة :

” قال ابن القيم ” يقال : كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ، ويقال : نضر بن الحارث ، والصحيح أنه
بغيض بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده . تم هذا الميثاق ، وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة ، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم – إلا أبا لهب – وحبسوا في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة .

ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب :

       واشتد الحصار ، وقطعت عنهم المؤونة والمادة ، فلم يكن المشركون يتركون طعاماً يدخل مكة ولا بيعاً إلا بادروه فاشتروه ، حتى بلغهم الجهد ، والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود ، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع ، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً ، وكانوا لا يخرجون من الشعب لشراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم ، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها ، لأن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في قيمة السلعة حتى لا يستطيعوا الشراء .

نقض صحيفة الميثاق :

       مرت ثلاثة أعوام كاملة والأمر على ذلك ، وفي المحرم سنة عشر من النبوة حدث نقض الصحيفة وفك الميثاق ، وذلك أن قريشاً كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له ، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهاً لها .

وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي – وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفياً بالليل بالطعام – فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي – وكانت أمه عائكة بنت عبد المطلب – وقال : يا زهير ، أرضيت أن يأكل الطعام ، ويشرب الشراب ، وأخوالك كما تعلم ؟ فقال : ويحك ، فما أصنع وأنا رجل واحد ؟ أما الله لو كان معي رجل آخر
لقمت في نقضها – قال : قد وجدت رجلاً ، قال : فمن هو ؟ قال : أنا . قال له زهير : ابغنا رجلاً ثالثاً .

فذهب إلى المطعم بن عدي ، فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف ، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم ، فقال المطعم : ويحك ، ماذا أصنع . إنما انا رجل واحد ، قال : قد وجدت ثانياً ، قال : من هو ؟ قال : أنا ، قال : ابغنا ثالثاً . قال : قد فعلت . قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، قال : ابغنا رابعاً .

فذهب إلى أبي البختري بن هشام ، فقال له نحواً مما قال للمطعم ، فقال : وهل من أحد يعين على هذا ؟ قال : نعم . قال : من هؤلاء : قال : زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ، قال : ابغنا خامساً .

فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه ، وذكر له قرابتهم وحقهم ، فقال له : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال : نعم ، ثم سمى له القوم ، فاجتمعوا عند الحجون وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة ، وقال زهير : أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم .

فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير عليه حلة ، فطاف بالبيت سبعاً ، ثم أقبل على الناس ، فقال : يا أهل مكة أنأكل الطعام ، ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى ، لا يباعون ولا يبتاع منهم ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة .

قال أبو جهل – وكان في ناحية المسجد – : كذبت ، والله لا تشق . فقال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب . ما رضينا كتابتها حيث كتبت . قال أبو البختري  : صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به  .قال المطعم بن عدي : صدقتما وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها . وقال هشام بن عمر نحواً من ذلك .

فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل ، تشوور فيه بغير هذا المكان . وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، إنما جاءهم لأن الله كان قد أطلع رسوله على أمر الصحيفة ، وأنه أرسل عليها الأرضة ، فأكلت جميع ما فيها من جوى وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل ، فأخبر بذلك عمه ، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا ، فإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه ، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطعيتنا وظلمنا ، قالو : قد أنصفت . وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل ، قام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا (( باسمك اللهم )) . وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله .

تم نقض الصحيفة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب ، وقد رأى  المشركون آية عظيمة من آيات نبوته ، ولكنهم كما أخبر الله عنهم ، ( وإن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) : ” سورة : القمر 2 “. أعرضوا عن هذه الآية وازدادوا كفراً إلى كفرهم .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : المقاطعة العامة ( ص 104 – 107 ) طبعة : دار ابن حزم .

–        من كتاب المقاطعة الاقتصادية حقيقتها وحكمها دراسة فقية تأصيلية للمؤلف للدكتور / خالد بن عبد الله الشمراني حفظه الله  – المبحث الأول : تعريف المقاطعة الاقتصادية ، المطلب الثاني :  تعريف المقاطعة الاقتصادية باعتبارها لقبا . ( ص15 ) .المبحث الثالث : نماذج من صور المقاطعة الاقتصادية عبر التاريخ . طبعة ( ص 22 ) طبعة : دار ابن حزم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *