28. قطوف من السيرة المحمدية ” عودته من الطائف إلى مكة “

                 بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

نبذة عن قرن المنازل ، لقاء جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ قرن المنازل ، قال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ، الجن يستمعون للقرآن الكريم ،  نبذة عن مسجد الجن ، نبينا الكريم يبلغ دعوته للجن ، العفو عند المقدرة ، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ، العودة إلى مكة ، المراجع .

” التفاصيل “

        نبذة عن قرن المنازل :

القرن بقاف مثناة وراء مهلة ساكنة : كل جبل صغير منقطع من جبل كبير ، وقرن المنازل ميقات أهل نجد وما جاورها من أهل الخليج ، وغيرهم من القادمين عن طريق الرياض – الطائف ، ونظرا لوجود طريقين رئيسين إلى مكة المكرمة تم تحديد نقطة الميقات والإحرام ببناء مسجدين عليهما وتعرف بميقات السيل الكبير وميقات وادي محرم .

        لقاء جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ قرن المنازل :

عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف سنة عشر من النبوة / 619 م . حزينا على موقف أهل مكة والطائف ، روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ قرن المنازل جاءه جبريل وقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك ، وقد بعث الله  إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد – صلى الله عيه وسلم – ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت – والأخشبان : هم جبلا مكة ، أبو قبيس وما يقابله وهو قعيقعان  – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا .

قال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) :

وفي هذا الجواب الذي أدلى به الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى شخصيته الفذة ، وما كان عليه من الخلق العظيم الذي لا يدرك غوره . وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأن قلبه ، لأجل هذا النصر الغيبي الذي أمده الله عليه من فوق سبع سماوات ، ثم تقدم في طريق مكة حتى بلغ وادي نخلة ، وأقام فيه أياماً ، وفي وادي نخلة موضعان يصلحان للإقامة – السيل الكبير والزيمة – لما فيهما من الماء والخصب ، ولم نقف على مصدر يعين موضع إقامته صلى الله عليه وسلم فيه .

     الجن يستمعون للقرآن الكريم :

وخلال إقامته بعث الله إليه نفراً من الجن ، ذكرهم الله في موضعين من القرآن ، في سورة الأحقاف : ( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، يا قومنا أجيبوا داعى الله وءامنوا به  يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ) ” سورة الأحقاف 29-31 ” ، وفي سورة الجن : ( قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجبا ، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً ) إلى تمام الاية الخامسة عشر ، ومن سياق هذه الآيات – وكذا من سياق الروايات التي وردت في تفسير هذا الحادث – يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف بحضور ذلك النفر من الجن ، وإنما علم ذلك حين أطلعه الله عليه بهذه الآيات ، وأن حضورهم هذا كان لأول مرة ، ويقتضي سياق الروايات أنهم وفدوا بعد ذلك مراراً ، وحقاً كان هذا الحادث نصراً آخر أمده الله من كنوز غيبه المكنون بجنوده التي لا يعلمها إلا هو ، ثم إن الآيات التي نزلت بصدد هذا الحادث كانت في طيها بشارات بنجاح دعوة النبي صلى  الله عليه وسلم ، وأن أي قوة من قوات الكون لا تستطيع أن تحول بينها وبين نجاحها ( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دون الله أولياء اولئك في ضلال مبين ) ” سورة الأحقاف 32 ” ، وقوله : ( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ) ” سورة الجن 12 “.

نبذة عن مسجد الجن :

يقع مسجد الجن على يسار الصاعد إلى المعلاة وسمي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم خط لابن مسعود في هذا الموضع عندما جاء الجن يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق أن التقوا به صلى الله عليه وسلم في موضع نخلة أثناء عودته صلى الله عليه وسلم من الطائف سنة عشرة من النبوة . وقد يطلق عليه مسجد الحرس أيضا . وقد جدد هذا المسجد في سنة 1421 هـ .

نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يبلغ دعوته للجن :

عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو بمكة : من أحب منكم أن يحضر أمر الجن فليفعل ، فلم يحضر منهم أحد غيري ، قال : فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط ، ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر . وفي رواية : فأتبعه ابن مسعود فدخل النبي صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له : شعب الحجون ، وخط عليه وخط على ابن مسعود ليثبته بذلك. قال ابن مسعود رضي الله عنه : فجعلوا ( أي الجن ) ينتهون إلى الخط فلا يجوزنه ، ثم يصدرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

العفو عند المقدرة :

     لا شك أن الإنسان يحزنه أن تهجم على شخصه أو على من يحب ، وإذا واتته أسباب الثأر سارع إلى مجازاة السيئة بمثلها . ولا يقر له قرار إلا إذا أدخل الضيق على غريمه بقدر ما شعر به هو نفسه من ألم ، ولكن هناك مسلكا أنبل من ذلك ، وأرضى لله ، وأدل على العظمة والمروءة ، أن يبتلع غضبه فلا يتفجر ، وأن يقبض يده فلا يقتص ، وأن يجعل عفوه عن المسيء نوعا من شكر الله الذي أقدره على أن يأخذ بحقه إذا شاء . ويتجلى ذلك واضحا في قصة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال بل ارجو أن يخرج الله من أصلابهم …

إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا :

       أمام هذه النصرة ، وأمام هذه البشارات ، انقشعت سحابة الكآبة والحزن واليأس التي كانت مطبقة عليه منذ أن خرج من الطائف مطروداً مدحوراً ، حتى صمم على العودة إلى مكة ، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض اٍلإسلام وإبلاغ رسالة الله الخالدة بنشاط جديد وجد وحماس ، وحينئذ قال له زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ يعني قريشاً فقال : ( يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً ، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه ) .

     العودة إلى مكة :

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دنا من مكة فمكث بحراء ، وبعث رجلاً من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال : أنا حليف ، والحليف لا يجير ، فبعث إلى سهل بن عمرو ، فقال سهيل : إن بني عامر لا تجبر على بني كعب ، فبعث إلى المطعم بن عدى ، فقال المطعم : نعم ، ثم تسلح ودعا بينه وقومه فقال : البسوا السلاح ، وكونوا عند أركان البيت ، فإني قد أجرت محمداً ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام ، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى : يا معشر قريش ،
إني قد أجرت محمداً فلا يهجعه أحد منكم ، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين ، وانصرف إلى بيته ، ومطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلام حتى دخل بيته ، وقيل : إن أبا جهل سأل مطعماً : أمجير أنت أم متابع – مسلم – ؟ قال : بل مجير ، قال : قد أجرنا من أجرت ، وقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم للمطعم هذا الصنيع ، فقال في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–  من كتاب خلق المسلم للمؤلف الشيخ / محمد الغزالي رحمه الله –  فصل :  الحلم والصفح ( ص 114- 115 ) طبعة دار القلم .

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : المرحلة الثالثة دعوة الإسلام خارج مكة ( ص 120 – 124 ) طبعة : دار ابن حزم .

–        من كتاب تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للمؤلف د / محمد إلياس عبد الغني حفظه الله – فصل : المرحلة الثالثة دعوة الإسلام خارج مكة ( ص 120 – 124 ) ، مسجد الجن ( 132 – 133 ) طبعة : دار ابن حزم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *