32. قطوف من السيرة المحمدية ” أحداث وقعت قبيل الهجرة “

                        بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

في دار الندوة ” برلمان قريش ” ، ما مكانة المدينة بالنسبة لقريش آنذاك ، أخطر اجتماع عقد ضد نبينا الكريم ،  النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فائدة عن أقسام الناس في حربهم مع الشيطان عليه لعنة الله ، المراجع .

” التفاصيل “

في دار الندوة ” برلمان قريش ” :

لما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا ، وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج ، وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان وأخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد تجسد أمامهم الخطر الحقيقي العظيم ، الذي يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي ، فقد كانوا يعلمون ما في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم من غاية قوة التأثير مع كمال القيادة والإرشاد ، وما في أصحابه من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله ، ثم ما في قبائل الأوس والخزرج من قوة ومنعة ، وما في عقلاء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصلاح والتداعي إلى نبذ الأحقاد فيما بينهما ، بعد أن ذاقوا مرارة الحروب الأهلية طيلة أعوام من الدهر .

ما مكانة المدينة بالنسبة لقريش آنذاك :

كما كانوا يعرفون ما للمدينة من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى المحجة التجارية التي تمر بساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام ، وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنوياً ، سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها ، ومعلوم أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق . فلا يخفى ما كان لقريش من الخطر البالغ في تمركز الدعوة الإسلامية في يثرب ومجابهة أهلها ضدهم . شعر المشركون بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم ، فصاروا يبحثون عن أنجع السوائل لدفع هذا الخطر ، الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم .

أخطر اجتماع عقد ضد نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم :

وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12 من شهر سبتمبر سنة 662 م أي بعد شهرين ونصف تقريباً من بيعة العقبة الكبرى عقد برلمان مكة ( دار الندوة ) في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية ، ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعاً على حامل لواء الدعوة الإسلامية ، وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائياً . ونذكر بعض الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش :

أبو جهل عمرو بن هشام ، جبير بن مطعم ، شيبة وعتبة ابنا الربيعة ، أبو سفيان بن حرب ، النضر بن الحارث ، أبو البختري بن هشام ، زمعة بن الأسود ، أمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وغيرهم .

ولما جاؤوا إلى دار الندوة حسب الميعاد اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بت له ، ووقف على الباب ، فقالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي تواعدتم له ، فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً ، قالوا : أجل ، فادخل ، فدخل معهم .

النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم :

وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول ، ودار النقاش طويلاً ،

قال أبو الأسود : نخرجه من بين أطهرنا وننفيه من بلادنا ، ولا نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع ، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .

قال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم ، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، ثم يسير بهم إليكم – بعد أن يتابعوه – حتى يطأكم بهم في بلادكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، دبروا فيه رأياً غير هذا .

قال أبو البختري : احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه باباً ، ثم تربصوا  به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله – زهيراً والنابغة – ومن مضى منهم من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم .

قال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، والله لئن حبستموه – كما تقولون – ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فينزعوه من أيدكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره . وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه تقدم به كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام .

 قال أبو جهل : والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ، قالوا : وما هو يا أبا الحكم . قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً وسيطاً فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارماً ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ، فرضوا منا بالعقل ، فعقلناه لهم .

قال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا أرى غيره ، ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع ، ورجع النواب إلى بيوتهم ، وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فوراً .

فائدة عن أقسام الناس في حربهم مع الشيطان عليه لعنة الله :

ينقسم الناس في حربهم مع الشيطان إلى ثلاثة أقسام وهي كالتالي :

1. الأسير :

فهذا القسم عياذا بالله ، الشيطان لا يتعب معه كثيرا لأنه مسرف على نفسه بالمعاصي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أتاها فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكر المهم لديه أن يشبع شهوته بأي شكل كان وبأي ثمن . والشيطان دوره معه أن يزين له المعاصي فقط .

2. المحارب :

وهذا القسم في حرب ضروس مع الشيطان يجاهد نفسه على الطاعات وترك المنكرات يؤنب نفسه على التقصير والحرب بينهما سجال تارة له وتارة عليه .

3. الطاغوت :

وهذا القسم شأنه غريب وأمره عجيب فهو طاغوت في مسلاخ بشر فمن كثرت طغيانه وعصيانه وجبروته عياذا بالله جعل الشيطان تابعا له أسيرا لرأيه وفكره . ولتوضيح صورة هذا القسم نضرب مثالا لذلك .

كما قرأنا قبل قليل في قصة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم تشاوروا في الكيفية التي تنفذ بها العملية وكان معهم الشيطان ” في صورة الشيخ النجدي ” وكلما يأتي أحدهم برأي لا يقبل فجاء الطاغوت أبو جهل لعنه الله بفكرة أيده بها الجميع وما ملك الشيطان إلا أن يتبعه .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : في دار الندوة ” برلمان قريش ”  ( ص 153 – 155 ) . طبعة : دار ابن حزم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *