بسم الله الرحمن الرحيم
قطوف من سيرة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
خلافته 41 هـ – 60 هـ
معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أبو عبد الرحمن ، أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد حنينا وكان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه وكان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خال المؤمنين وأول ملك في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة .
روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وستون حديثا ، روى عنه من الصحابة : ابن عباس وابن الزبير وأبو الدرداء وجرير البجلي والنعمان بن بشير وغيرهم . ومن التابعين : ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن وغيرهم .
الأحاديث الواردة في فضله رضى الله عنه :
أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية : (( اللهم اجعله هاديا مهديا )) .
وأخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب )) .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال : قال معاوية ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا معاوية إذا ملكت فأحسن )) .
فقال عمير : لا تذكر معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( اللهم اهد به )) .
وصية النبي صلى الله عليه وسلم له :
جاء في مسند الإمام أحمد : (( أن معاوية أخذ الإداوة وتبع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إليه وقال : (( يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل )) .
يقول معاوية : فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتليت )) .
ثناء الصحابة عليه :
عن كريب مولى ابن عباس : أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة لم يزد فأخبر ابن عباس فقال : أصاب ، أي بني! ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر .
وقال مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال : (( لا تكرهوا إمرة معاوية فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرءوس تند عن كواهلها .
ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشام وأقره عثمان .
قال الإمام الذهبي :
(( قلت : حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم وهو ثغر فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويُرضي الناس بسخائه وحِلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك . وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه . وله هنات وأمور والله الموعد .
وكان محببا إلى رعيته . عمل على نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك )) .
صفته رضى الله عنه :
وكان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلا مهيبا وكان إذا ضحك انقلبت شفته العليا وكان يخضب وكان عمر ينظر إليه فيقول : هذا كسرى العرب وعن علي قال : لا تكرهوا إمرة معاوية فإنكم لو فقدمتوه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها .
قال المدائني عن صالح بن كيسان : قال رأي بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير فقال إني لا أظن هذا الغلام سيسود قومه فقالت هند ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه .
ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه يزيد بن أبي سفيان فلما مات يزيد استخلفه على دمشق فأقره عمر ثم أقره عثمان وجمع له الشام كله فأقام أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة .
قال كعب الأحبار : لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية ، قال الذهبي : توفى كعب قبل أن يستخلف معاوية ، قال : وصدق كعب فيما نقله فإن معاوية بقى خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض .
نبذه من أخباره :
القول
|
الخبر
|
قال الشعبي
|
أول من خطب الناس قاعدا معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه .
ج
|
أبو مليح عن ميمون
|
أول من استأذن الناس في الجلوس على المنبر
|
قال الزهري
|
أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية . أخرجه عبد الرازق في مصنفه .
ج
|
أول من استحلف في البيعة معاوية ، استحلفهم بالله فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق والعتاق .
ج
|
|
قال سعيد بن المسيب
|
أول من أذن وأقام في يوم الفطر ويوم النحر
|
قال ابن أبي شيبة
|
أول من نقص التكبير معاوية .
|
قال العسكري
|
أول من وضع البريد في الإسلام
أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته
أول من عبثت به رعيته
أول من قيل له : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله
أول من اتخذ ديوان الخاتم وولاه عبيد الله بن أوس الغساني وسلم إليه الخاتم وعلى فصه مكتوب : لكل عمل ثواب ، واستمر ذلك في الخلفاء العباسيين إلى آخر الوقت وسبب اتخاذه له أنه أمر لرجل بمائة ألف ففك الكتاب وجعله مائتي ألف فلما رفع الحساب إلى معاوية أنكر ذلك واتخذ ديوان الخاتم من يومئذ .
أول من اتخذ المقصورة بالجامع
أول من أذن في تجريد الكعبة وكانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شيء .
ج
|
أول من اتخذ لمكة أبواب
ج
|
|
نبذه من أقواله :
وأخرج عن الشعبي قال : سمعت معاوية يقول : ما تفرقت أمة قط إلا ظهر أهل الباطل على أهل الحق إلا هذه الأمة .
ومنها أنه قال : المروءة في أربع : العفاف في الإسلام ، واستصلاح المال ، وحفظ المال ، وحفظ الجار .
ومنها أنه قال أفضل الناس من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا غضب كظم وإذا قدر غفر وإذا وعد أنجز وإذا أساء استغفر .
ومنها أنه قال كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضى إلا زوالها .
ومنها أنه قال أنا أول الملوك وآخر خليفة ، والسنة أن يقال لمعاوية ملك ولا يقال له خليفة لحديث سفينة ” الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملك عضوضاً ” *أي الذي فيه ظلم وعسف وجور .
نبذه من علمه :
أخبرنا المدائني عن ربيعة بن ناجد قال: قيل لمعاوية بن أبي سفيان: ما بلغ من عقلك؟ ” قال: ما وثقت بأحد قط “.
وأخرج ابن عساكر عن الشعبي قال :
دهاة العرب أربعة : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد ، فأما معاوية فللحلم والأناة وأما عمرو فللمعضلات وأما المغيرة فللمبادهة وأما زياد فللكبير والصغير .
وأخرج أيضا عنه قال : كان القضاة أربعة والدهاة أربعة ، فأما القضاة : فعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت ، وأما الدهاة: فمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد .
مقارنة بينه وبين عمر بن عبد العزيز رحمهما الله جميعا :
سئل ابن المبارك عن معاوية فقال في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده فقال خلفه ربنا ولك الحمد ، فقيل له أيهما أفضل أهوا أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر .
هجوم مريب!!
اتخذ الطاعنون في دين الله تعالى الخلاف الذي دار بين علي ومعاوية رضي الله عنهما متكئا لضرب الدين والتشكيك في نوايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلبوا الأمور . . وضلت أفهام . . وزلت أقدام وساعدهم على ذلك قلة فهمهم لهذا الدين ثم المرويات الباطلة الدسوسة على التاريخ لتزوير المفاهيم وإظهارا للحق نوضح رأي علماء الإسلام .
فماذا قال علماء المسلمين وفقهاء الملة عن هذا الخلاف ؟
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
(( … ثم ما كان بينه أي معاوية وبين علي بعد مقتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأي فجرى بينهما قتال عظيم … وكان الحق والصواب مع علي ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين كما ثبت في الحديث الصحيح : (( تمرق مارقة على خير فرقة المسلمين فيقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق )) فكانت المارقة الخوارج وقتلهم علي وأصحابه ثم قُتل علي فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين مرة في الصيف ومرة في الشتاء ويأمر رجلا من قومه فيحج بالناس وحج هو سنة خمسين وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين . وفيها أو في التي بعدها أغزاه بلاد الروم … فسار معه خلق كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القسطنطينية وقد ثبت في الصحيح : (( أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم )) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله :
(( ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببرئ من الهنات والله يعفو عنه )) .
فانظر أخي القارئ إلى أدب الذهبي رحمه الله . . وإنصافه .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عمن يلعن معاوية فماذا يجب عليه؟
فأجاب :
(( الحمد لله ، من لعن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص ونحوهما . . . فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين وتنازع العلماء : هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل؟ . . . . )) .
وقال الميموني : قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام .
وقال الفضل بن زياد :
سمعت أبا عبد الله أي أحمد بن حنبل يُسئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟.
فقال : إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء .
أما بعد : فهذ رأي علماء الأمة في سلفها الأبرار فماذا يقول المتطاولون في عصرنا؟! ولحساب مَنْ هذا الهجوم المريب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهامهم
يقول الداعية الكبير : الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :
(( الواقع أن الحزن خامرني وأنا أرى التافهين يخاطبون السابقين الأولين بهذا الأسلوب الفاجر وإذا كان القادة الفاتحون يعاملون بهذا التهجم والاستهانة فهل يبقى للأمم تاريخ؟ .
إن نبينا صلوات الله وسلامه عليه استبعد من جماعة المسلمين من فقد الأدب الواجب مع الكبار وتعمد خدش أقدارهم فقال : (( ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه )).
إنني أقول ذلك لأني لاحظت نابتة من الغوغاء تتبع الأعلام من رجالنا بدءا من العصر الأول إلى هذا العصر فلا ترى سنى إلا ردمته ولا غلطة إلا كبرتها ألف مرة!
لمصلحة من يتم هذا الجَور؟
لحساب من تبدو أمتنا هزيلة في عالم يحاول فيه النحاف أن يسمنوا؟ )) .
وفاته رضي الله عنه :
لما احتضر رضي الله عنه أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال كأنه أراد أن يطيب له لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله . . . ثم ثقل بعد ذلك فقال : (( تبا لك من دار ملكتك أربعين سنة ، عشرين أميرا وعشرين خليفة ثم هذا حالي فيك ومصيري منك تبا للدنيا ولمحبيها .
وتمثل بقول الشاعر :
إن تناقش يكن نقاشك يارب عذابا لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز تجاوز العفو واصفح عن مسئ ذنوبه كالتراب
وقال محمد بن سيرين :
جعل معاوية لما احتضر يضع خده على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكي ويقول : اللهم إنك قلت في كتابك :
(( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) [ النساء : 48 ] .
اللهم اجعلني فيمن شئت أن تغفر له .
وجاء في كتاب (( الإحياء )) : (( لما حضرت معاوية بن أبي سفيان الوفاة قال : أقعدوني فأقعد فجعل يسبح الله تعالى ويذكره ثم بكى وقال :
تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط! ألا كان هذا وغصن الشباب نضر ريان وبكى حتى علا بكاؤه وقال : يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وعد بحلمك على من لا يرجو غيرك ولم يثق بأحد سواك )) .
وعن عبد الأعلى بن ميمون بن مهران : عن أبيه أن معاوية أوصى فقال :
(( كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزع قميصه وكسانيه فرفعته وخبأت قلامة أظفاره فإذا مت فألبسوني القميص على جلدي واجعلوا القلامة مسحوقة في عيني فعسى الله أن يرحمني ببركتها )) .
فرضي الله عنه وأرضاه .
من مات في أيامه من الأعلام :
1. “أم المؤمنين” عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها
2. ” أم المؤمنين ” حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها
3. ” أم المؤمنين ” أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها وعن أبيها
4. ” أم المؤمنين ” سؤدة بنت زمعة رضي الله عنها
5. ” أم المؤمنين ” جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
6. ” أم المؤمنين ” ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها
7. عمرو بن العاص رضي الله عنه
8. أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
9. زيد بن ثابت رضي الله عنه
10. أسامة بن زيد رضي الله عنه
11. حافظ الأمة أبو هريرة رضي الله عنه
لطفاً قل ( اللهم فرج عن إخواننا في سوريا ما هم فيه )
المراجع
|
المؤلف
|
تاريخ الخلفاء
|
جلال الدين بن أبي بكر السيوطي رحمه الله
ج
|
الأذكياء
|
أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله
|
البداية والنهاية
|
ابن كثير الدمشقي رحمه الله
|
رجال ونساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم
|
سعد يوسف أبو عزيز
|