قبل أن نبدأ اسمحوا لي أن نستعرض قطوف من سيرة نبي الله صالح عليه السلام
قبيلته عليه السلام :
وهم قبيلة مشهورة ، يقال لهم : ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح
وكانوا عرباً من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك ، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك .
وكثيراً ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان وسورة ص وسورة ق والنجم والفجر .
قصته عليه السلام مع قومه :
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله ، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن إنت أخرجت لنا من هذه الصخرة – وأشاروا إلى صخرة هناك – ناقة ، من صفتها كيت وكيت ، وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها وتعنتوا فيها ، وأن تكون عشراء ، طويلة ، من صفتها كذا وكذا ، فقال لهم النبي صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم ، على الوجه الذي طلبيتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا : نعم ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك .
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا ، فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء ، على الوجه المطلوب الذي طلبوا ، أو على الصفة التي نعتوا .
فلما عاينوها كذلك ، رأوا أمراً عظيماً ، ومنظرا هائلاً ، وقدرة باهرة ، ودليلاً قاطعاً ، وبرهاناً ساطعاً ، فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ، ولهذا قال ( فظلموا بها ) أي : جحدوا بها ، ولم يتبعوا الحق بسببها ، أي : أكثرهم ، وكان رئيس الذين امنوا : جندع بن عمروا بن محلاة بن لبيد بن جواس ، وكان من رؤسائهم ، وهم بقية الأشراف بالإسلام ، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد ، والحباب ، صاحب أوثانهم ، ورياب بن صعر بن جلمس ، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة ، وكان من أشرافهم ، فهم بالإسلام فنهاه أولئك ، فمال إليهم ، فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له : مهرش بن غنمة بن الذمبل رحمه الله
ولهذا قال لهم صالح عليه السلام ( هذه ناقة الله ) أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله ، بيت الله وعبد الله ( لكم آية ) أي : دليلاً على صدق ما جئتكم به ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب )
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ، ترعى حيث شاءت من أرضهم ، وترد الماء يوماً بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يوما ذلك ، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ، ويقال : أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ، ولهذا قال ( لها شرب ولكم شرب يوم معلوم )
ولهذا قال تعالى ( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ) أي : اختباراً لهم أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم بما يفعلون ( فأرتقبهم ) أي : انتظر ما يكون من أمرهم ( واصطبر ) على آذاهم فسيأتيك الخبر على جلية ( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر ) .
فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع أمرهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم ، قال الله تعالى ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالو يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) .
وكان الذين تولى قتلها منهم رئيسهم : قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق أصهب وكان يقال : إنه ولد زانية ، ولد على فراش سالف ، وهو ابن رجل يقال له : صيبان
وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ، فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم .
الإغراءات التي وضعت مقابل قتل الناقة :
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما صدوفة ابنة المحيا بن زهير بن المختار ، وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة
واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم عثمان ، وكانت عجوزاً كافرة ، لها بنات من زوجها ؤاب بن عمرو أحد الرؤساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف ، إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب هذان الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك ، فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة ، وهم المذكورون في قوله تعالى ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ، وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها ، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك ، فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها ، وجاء النساء يذمرن القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم في ذلك ، فابتدرهم قدار بن سالف ، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة عظيمة – فصعد جبلاً منيعاً ورغا ثلاثا .
وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن أنه قال : يا رب أين أمي ، ثم دخل في صخرة فغاب فيها ، ويقال : بل اتبعوه فعقروه أيضاً .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبدالله بن نمير، حدثنا هشام – أبو عروة – عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذي عقرها فقال ( إذ انبعث أشقاها ) : انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة .
أخرجاه من حديث هشام به . عارم : أي : شهم . عزيز ، أي : رئيس ، منيع ، أي : مطاع في قومه .
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف ، لعنه الله ، فعرقبها فسقطت إلى الأرض ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها ، فلما عاين ذلك سقبها ، وهو ولدها – شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك ، و رغا ثلاث مرات .
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس ، وهو اليوم الأول من أيام النظرة ، و وجوهم مصفرة كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل -وهو يوم الجمعة – و وجوهم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع -وهو يوم السبت – و وجوهم مسودة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى الأجل .
وقوع العذاب بهم عياذا بالله :
فلما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة لا يدرون كيف يفعل بهم ؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب .
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ، جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها ، قالوا : ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها كلبة بنت السلق ، ويقال لها : الذريعة – وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام ، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء ، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء ، فما شرب ماتت .
قال تعالى : ( كأن لم يغنوا فيها ) أي : لم يقيموا فيها سعة ورزق وغناء ، ( ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) أي : نادى عليهم لسان القدر .
وقوله تعالى ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) ، إخبار عن صالح عليه السلام ، أنه خاطب قومه ، بعد هلاكهم ، وقد أخد في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم ( يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ) أي : جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي .
( ولكن لا تحبون الناصحين ) أي : لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده ، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم ، المستمر بكم المتصل إلى الأبد ، وليس لي فيكم حيلة ، ولا لي بالدفع عنكم يدان ، والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلت ، وبذلته لكم ، ولكن الله يفعل ما يريد .
وهكذا خاطب الني صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال ، وقف عليهم وقد ركب راحلته ، وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال : ( يا أهل القليب ) هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا ) وقال لهم فيما قال : ( بئس عشيرة النبي التي كنتم لنبيكم) كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة الني كنتم لنبيكم ) فقال له عمر : يا رسول الله تخاطب أقواما قد جيفوا ؟ فقال :
والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يجيبون .
ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك :
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن أبي عمر قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا القدور ، فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور ، وعلفوا العجين الابل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم ) .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان ، حدثنا عبدالعزيز بن مسلم ، حدثنا عبدالله بن دينار ، عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر : ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم) .
الشاهد :
القول فيما أوتي صالح عليه السلام :
قال أبو نعيم فإن قيل : فقد أخرج الله لصالح ناقة من الصخرة جعلها الله له آية وحجة على قومه وجعل لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم معلوم ، قلنا : وقد أعطى الله محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك بل أبلغ لأن ناقة صالح لم تكلمه ولم تشهد له بالنبوة والرسالة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم شهد له البعير بالرسالة ، وشكا إليه ما يلقى من أهله ، من أنه يجيعونه ويريدون ذبحه ، ثم ساق الحديث بذلك كما قدمنا في دلائل النبوة بطرقه وألفاظه وغرره بما أغنى عن إعادته هاهنا ، وهو في ( الصحاح ) و ( الحسان ) و ( المسانيد ) ، وقد ذكرنا مع ذلك حديث الغزالة ، وحديث الضب وشهادتهما له صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، كما تقدم التـنبيه على ذلك والكلام فيه ، وثبت الحديث في ( الصحيح ) بتسليم الحجر عليه قبل أن يُبعث ، وكذلك سلام الأشجار والأحجار والمدر عليه قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم .
لطفاً قل ( اللهم صلي وسلم على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم )
|
المراجع
|
المؤلف
|
|
قصص الأنبياء
|
ابن كثير الدمشقي رحمه الله
|
|
البداية والنهاية
|
ابن كثير الدمشقي رحمه الله
|