عن رامي الدعيس

قاريء للقرآن الكريم من مكة المكرمة

قطوف من سيرة الفاروق رضى الله عنه


بسم الله الرحمن الرحيم
حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( 581م _ 644 م )
 
قال ابن مسعود رضى الله عنه كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا وكانت إمارته رحمة
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي وكنيته أبو حفص
أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة  بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، روي عن عمر أنه قال : ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين ، وذلك قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة .
كان منزل عمر رضى الله عنه في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر وكان اسم الجبل في الجاهلية : العاقر فنسب إلى عمر بعد ذلك
أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين , وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه قال : أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 39 رجلا و امرآة ثم إن عمر أسلم فصاروا أربعين فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : ( يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) . الأنفال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ) يعني أبو جهل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) وهو الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل وعن أبو عمر ذكوان قال : قلت لعائشة رضى الله عنها من سمى عمر الفاروق ؟ قالت النبي صلى عليه وسلم , وإن لتسميته عمر بالفاروق علاقة بظهور الإسلام فإن المسلمين قبل إسلامه كانوا يستخفون في دار الأرقم وهي في أصل الصفا ويؤدون شعائرهم الدينية في منازلهم
إن عمر الفاروق رضى الله عنه أول خليفة سمى بأمير المؤمنين , لأن هذه التسمية ليست بجديدة فإن عبد الله بن جحش الأسدي هو أول من سمى بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نخلة .
كان عمر يحج بالناس مدة خلافته فحج بهم عشر سنين , وحج بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها بالناس سنة 23 هجرية واعتمر في خلافته ثلاث مرات
إن زيادة عمر الفاروق للمسجد الحرام كان في سنة 17 هـ عقب سيل أم نهشل لأن أم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاص ذهب بها السيل فماتت فيه واستخرجت بأسفل مكة وكان سيلا هائلا
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أشد أمتي في أمر الله عمر ) ، (وأرحم أمتي بأمتي أبي بكر ) , ( وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل  وهو إمام العلماء يوم القيامة برتوة أو رتوتين )
من تأثر عمر الفاروق بذكر الله والقرآن أنه صاح على رجل يوما وعلاه بالدرة فقال له أذكرك بالله فطرح الدرة وقال ذكرتني بعظيم
الفيء والغنيمة مأخوذان من المشركين وهما يختلفان لأن مال الفيء مأخوذ عفوا في غير قتال و لا إيجاف ( الإعمال )
أما الغنيمة فتشتمل على أربعة أقسام : أسرى ، وسبى ، وأرضين وأموال ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الأموال المنقولة على رأيه .
روى عمر الفاروق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 539 حديثا
بينما كان عمر رضى الله عنه يصلى صلاة الصبح طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة ( أبو لؤلؤة المجوسي ) بسكين ذات طرفين ما يمر برجل يمينا ولا شمالا إلا طعنه فأصاب ثلاث عشر رجلا من المسلمين فمات منهم سبعة
من كراماته رضى الله عنه أنه لما فتح المسلمون مصر ولم يزد النيل قالوا لعمرو بن العاص إنهم يلقون في النيل جارية فقال هذا لا يكون في الإسلام وكتب لعمر بن الخطاب فكتب رسالة إلى عمرو وأمره أن يلقيها في النيل فلما ألقيت فيه زاد النيل
ووقعت زلزلة في المدينة فضرب عمر الفاروق الدرة على الأرض وقال أسكنى بإذن الله  فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك
وشبت النار في بعض دور المدينة فكتب عمر الفاروق على خرقة ( يا نار أسكني بإذن الله ) فألقوها في النار فانطفأت في الحال
من أقواله المأثورة رضى الله عنه
أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي
أعقل الناس أعذرهم للناس
إن كان الشغل محمدة فإن الفراغ مفسدة
إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة نتن في الممات
أول أعماله حين تولى الخلافة إرسال الجيوش إلى العراق بقيادة أبي عبيدة والمثنى ( 13 , 14 هـ )
في حرب الروم قال خالد بن الوليد ( أبشروا يا معاشر المسلمين أتاكم الغوث من رب العالمين أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد )
كان فتح دمشق بعد وفاة أبي بكر الصديق رضى الله عنه
سورة الجهاد هي سورة الأنفال
كان فتح المدائن في شهر صفر سنة 16 هـ والتي هي عاصمة الفرس وإنما سمتها العرب بالمدائن لأنها سبع مدائن
 السنون العربية سنون قمرية وهي أقل من السنين الشمسية أو الميلادية بأحد عشر يوما تقريبا
كتب عمر الفاروق التاريخ الهجري في سنة 17 هـ
كان عام الرمادة في سنة 18 هـ
كان بالسوس جسد دانيال وهم من أعظم الأنبياء العبرانيين وقيل اسمه قاضي الله
أصحاب الشورى 6 الذي استشارهم عمر الفاروق في أمر الخليفة من بعده وهم :
علي بن أبي طالب رضى الله عنه
وعثمان بن عفان رضى الله عنه
وطلحة بن عبيد الله رضى الله عنه
والزبير بن العوام رضى الله عنه
وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه
وسعد بن أبي وقاص رضى الله عنه
أعمال عمر بن الخطاب رضى الله عنه :
1.    أول من كتب التاريخ الهجري
2.    أول من جمع القرآن في الصحف
3.    أول من جمع الناس للتراويح
4.    أول من ضرب في الخمر ثمانين
5.    أول من عس
6.    أول من دون الدواوين
7.    أول من مصر الأمصار الكوفة البصرة
 المرجع من كتاب عمر بن الخطاب
  لمحمد رضا

قطوف من سيرة الحسين بن علي رضى الله عنه وعن أبيه

بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن نبدأ في ترجمة الحسين بن علي رضي الله نحب أن نشير إلى أننا نحن أهل السنة والجماعة أحق بمعرفة سيرته من غيرنا فرضي الله عنه و عن أبيه وعن أبي بكر وعمر وعن الصحابة أجمعين . والآن نبدأ بالله مستعينين .
ترجمة
الحسين بن علي رضي الله عنه
سنة 3هـ ( 625م ) – 49هـ ( 669م )
الحسين بن علي بن أبي طالب بن المطلب بن هاشم ، يكنى أبا عبد الله سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته .
أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، قال جعفر بن محمد : لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد وقال الواقدي : علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة .
وعقَّ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه – ذبح شاة – كما عق عن أخيه وحنكه بريقه وأذّن في أذنه وتفل في فمه ودعا له وسماه حسيناً وقال لأمه أن تفعل به ما فعلت بأخيه الحسن ولقب بألقاب أشهرها : الزكيّ ثم الرشيد والطيب والوفيّ والسيد والمبارك والتابع لمرضاة الله والسبط .
وكانت أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقّص الحسين فتقول :
      إن بنـيّ شـبـه النبــيّ     ليس شبــيــهاً بعلـــيّ
وكان الحسن رضي الله عنه أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه به صلى الله عليه وسلم ، وكان ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير ، واسع الجبين ، كث اللحية ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، رحب الكفين والقدمين ، رَجِل الشعر ، متماسك البدن ، أبيض مشرباً بحمرة ، حسن الصوت ، وكان في صوته غُنّة حنة وكان يخضب بالوسمة .
أما خلقه رضي الله عنه فقد كان فاضلاً كثير الصوم والصلاة ويقال : إنه حج خمساً وعشرين حجة ماشياً فيكون قد حج وهو بالمدينة قبل دخوله العراق لأنه لم يحج من العراق ، وكان كريماً كثير الصدقة وأفعال الخير جميعها .
أولاد الحسين رضي الله عنه
1-           عليّ الأكبر .
2-           عليّ الأوسط .
3-           عليّ الأصغر .
4-           محمد .
5-           عبد الله .
6-           جعفر .
فأما الأول فقاتل بين يدي أبيه حتى قتل ، وأما الأوسط فهو زين العابدين ، كان مع أبيه بكربلاء فأسر بعد أن استشهد أبوه ثم رجع إلى مكة ومنه العقب وأما الأصغر فجاءه سهم في القتال وهو طفل فقتل بكربلاء وقتل عبد الله بكربلاء .
ومات جعفر بن الحسين في حياة أبيه .
وله من البنات زينب وسكينة وفاطمة .
الأحاديث الواردة في حقه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( حسين مني وأنا من حسين ، أحبَّ الله من أحب حسيناً ، حسين سبط الأسباط ، الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ، من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين )) وكان يحمله على عاتقه ويقول : (( اللهم إني أحبه فأحبه )) .
روايته عن رسول الله
روى الحسين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من مسلم تصيبه مصيبة وإن قدم عدها فيحد لها استرجاعاً إلا أعطاه الله ثواب ذلك )) .
وروى عن طلحة بن عبيد الله قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أمان أمتي من الغرق إذا ركبنا البحر أن يقرؤوا بِسْمِ اللهِ مجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إن رَبِّ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )) .
وروى الحسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه )) .
 كراماته رضي الله عنه
نازل الحسين عبد الله بن أبي حصين الأزدي ليمنعه الماء فقال : يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ؟ والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً .
فقال له الحسين : اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يَروى فما زال ذلك دأبه حتى لقط غصته – يعني نفسه – أي مات .
ومن كراماته التي رواها الطبري في تاريخه : أن رجلاً من بني تميم يقال له : عبد الله بن حَوزة جاء حتى وقف أمام الحسين فقال : يا حسين يا حسين فقال حسين : ما تشاء ؟ قال : أبْشر بالنار ! قال : كلا إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع ، من هذا ؟ قال له أصحابه : هذا ابن حوزة  قال : رب حزه إلى النار .
فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه وتعلقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذ يمر به فيضرب برأسه كل حجر وكل شجرة حتى مات وذلك عندما كانوا يحاربون الحسين رضي الله عنه
هذا شيء من كراماته رضي الله عنه وهي كثيرة لا تحصى ومن أعجب كراماته : حديث الزهري في قتل الحسين وهذا هو :
سأل أمير المؤمنين عبد الله بن مروان وهو قاعد في إيوانه من كان مجتمعاً بحضرته فقال :
ما أصبح ببيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ فلم يجبه أحد ، فقال الزهري :
إنه لم يرفع تلك الليلة التي صبيحتها قتل علي بن أبي طالب والحسين بن علي – حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط .
قال عبد الملك : صدقت ، حدَّثني الذي حدَّثك وإني وإياك في هذا الحديث لغريبان ثم أعطاه مالاً كثيراً .
الحسين والخلافة :
لما نشأ الحسين وترعرع وشاع ذكره وعرف فضله كان الشيعة يرجون له الخلافة بعد معاوية لأن الحسن مات قبله وكان قد اشترط عليه أن تكون الخلافة له بعده كما تقدم .
فلما مات معاوية سنة 60هـ طمع الشيعة في ولاية الحسين لكن يزيد بن معاوية كان قد تولى الخلافة بعد أبيه فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة والنعمان بن بشير على الكوفة والوليد بن عتبة على المدينة وعمرو بن العاص على مكة .
ولم يكن ليزيد همة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وأنه ولي عهده بعده والفراغ من أمرهم فكتب إلى الوليد .
كتاب الحسين
إلى أهل الكوفة وشجاعة قيس بن مسهر
كان مسلم بن عقيل قد كتب إلى الحسين قبل أن يقتل لسبع وعشرين ليلة .
أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله ، إن جمع أهل الكوفة معك ، فأقبل حين تقرأ كتابي والسلام عليك .
وبناء على ذلك أقبل الحسين حتى إذا بلغ الحاجز من بطن الرمة ، بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم :
بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فأجمعوا أمركم وجدّوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد فقال له عبيد الله : اصعد القصر فسب الكذاب ابن الكذاب فصعد ثم قال : أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجز فأجيبوه .
ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعلي بن أبي طالب .
قد كان قيس بن مسهر هذا في منتهى الشجاعة والجرأة كما يتبين من هذه الحادثة ولذا أرسله الحسين إلى الكوفة يحمل رسالته ولا شك أن قيساً كان يعلم أن عبيد الله بن زياد حاكم الكوفة رجلاً شديداً قاسياً قابضاً على زمام الأحكام بيد من حديد كما كان أبوه وكان الحكم بالقتل أو التعذيب متوقفاً على كلمة يتفوّه بها ومع ذلك لمّا قال لقيس أن يصعد القصر ويسب الحسين ( الكذاب ابن الكذاب كما ادعى ) صعد ، وبدلاً من أن يسبه لينجو من الهلاك مدحه ودعا الناس إليه ولم يقتصر على ذلك وفيه مخالفة صريحة لأمره بل لعن عبيد الله وهو موقن أن بعد هذه الكلمات التي تفوّه بها الموت والزؤام فأمر عبيد الله أن يرمي به من فوق القصر فرمي به فتقطع فمات رحمه الله .
قتل الحسين
10 محرم سنة 61هـ ( 10 أكتوبر سنة 680م )
إن قتل الحسين رضي الله عنه كما رواه المؤرخون وشهود العيان من أفظع الحوادث التاريخية التي نذكرها والدمع ينهمر من العيون وتنفطر لها القلوب وتقشعر الأجسام وترتجف الأنامل عند تسطيرها وتضطرب المشاعر عند التفكير فيها فقد قتله أعداؤه أشنع قتلة ولم يحترموا مكانته ولم تأخذهم شفقة عليه وعلى أهله وأولاده الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة ومثَّلوا به وبهم جميعاً إرضاء للوالي وتسابقوا إلى حمل رأسه إليه ابتغاء المكافأة .
كربلاء :
دفن الحسين رضي الله عنه بكربلاء في طرف البرية عند الكوفة واشتقاقه من الكربلة رخاوة في القدمين ، يقال : جاء يمشي مُكربلاً أي كأنه يمشي في طين فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك ويقال : كربلتُ الحنطة إذا هززتها ونقيتها فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدّغل فسميت بذلك ، والكربل : اسم نبت الحُمَّاض .
رأس الحسين عليه السلام :
أقبل خولي بن يزيد الأصبحي برأس الحسين فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقاً فأتى منزله فوضعه تحت إجّانة في الدار ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقالت له النّوار بنت مالك : ما الخبر ؟ ما عندك ؟ قال : جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين معك في الدار ، قال ذلك لأنه كان يؤمل أن يكافئه الوالي عبيد الله مكافأة عظيمة .
فقالت له النّوار : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت واحد أبداً .
قالت : فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية فأدخلها إليه وجلستُ أنظر فو الله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجّابة ورأيت طيرا بيضاً ترفرف حولها .
فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد فوُضع بين يديه فأخذ ينكت بقضيب بين ثنيّتَيْه ساعة ، فلما رآه زيد بن أرقم لا يُحْجم عن نكته بالقضيب قال له : أعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فو الذي لا إله غيره ! لقد رأيتُ شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انتحى الشيخ يبكي فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرِفت وذهب عقلك لضربت عنقك .
ونصب عبيد الله رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة .
شجاعة زينب ابنة فاطمة أمام عبيد الله :
لما دخل برأس الحسين وصبيانه وأخوانه ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب ابنة فاطمة – أخت الحسين – أرذل ثيابها وتنكرت وحفّت بها إماؤها فلما دخلت جلست فقال عبيد الله : من هذه الجالسة ؟ فلم تكلمه فقال ثلاثاً كل ذلك لا تكلمه فقال بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة فقال لها عبيد الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم .
فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وطهّرنا تطهيراً لا كما تقول أنت إنما يفتضح الفاسق ويُكذّب الفاجر .
قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟
قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده .
لقد تعدَّوا على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوهم ومثَّلوا بهم وليس بالمستغرب أن يقع الظلم على الأطهار والأبرياء في هذه الدنيا وقديماً قتل الأنبياء والصالحون والصديقون والأولياء وسيحاسب الله الظالمين في الآخرة على ما جنت أيديهم ، قال تعالى : (( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )) الشعراء : 227 ولو لم يكن هناك دار أخرى للحساب لساد الظلم وفاز الظالم القوي .
فلما قالت زينب ما قالت غضب ابن زياد واستشاط ، فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الأمير إنما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها إنها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خَطَل .
فقال لها ابن زياد : قد شفى الله من طاغيتك والعصاة المَرَدة من أهل بيتك فبكت ثم قالت : لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت .
فقال لها عبيد الله : هذه شجاعة لعمري قد كان أبوك شاعراً شجاعاً .
قالت : ما للمرأة والشجاعة إن لي عن الشجاعة لشغلاً ولكن نفثي ما أقول .
خطبة عبيد الله بعد مقتل الحسين :
لما دخل عبيد الله القصر ودخل الناس نودي : الصلاة جامعة  فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد فقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته .
فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي وكان من شيعة علي وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي فلما كان يوم صِفّين ضُرب على رأسه ضربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى فكان لا يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف .
فلما سمع مقالة ابن زياد قال : يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه ، يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصدِّيقين !! فأمر ابن زياد بقتله وصلبه .
                                                  غلو الشيعة
في الأخبار عن مقتل الحسين
من ذلك أنهم زعموا أن يزيد بن معاوية كتب إلى عبيد الله يأمره بالاحتيال على قتل الحسين .
وتغالوا فقالوا : إن الجيش الذي حارب الحسين رضي الله عنه 000’30 وقالوا 000’40 وقالوا 000’50 وإن الحسين قتل منهم بمفرده ألفاً وإن السماء بكت يوم قتل وبكاؤها الحمرة .
وقال الزهري : بلغني أنه لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلا وجد تحته دم عبيط ، يقال : إن الدنيا أظلمت يوم قتل ثلاثاً ، وروي : أن السماء أمطرت دماً فأصبح كل شيء لهم ملآن دماً .
وزعموا في كتبهم : أن الحسين لما خرج قاصداً مكة إلى الكوفة أتته أفواج من الملائكة و بأيديهم الحراب وهم ركوب وعرضوا عليه أن يقاتلوا معه فأبى وأن طائفة من الجن عرضوا عليه مثل ذلك فأبى وأن الأرض زلزلت يوم قتل والشمس انكسفت حتى بدت الكواكب نصف النهار .
وروى الزهري عن أم سلمة قالت : ما سمعت نواح الجن إلا في الليلة التي قتل فيها الحسين مع أنها ماتت قبل مقتل الحسين بثلاث سنين ، وقالوا : إن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تتسايل دماً .
    فهذه روايات موضوعة مكذوبة .
    وقال الإمام ابن حنبل بكفر يزيد .
ونقل صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، قال : قلت لأبي : يا أبت أتلعن يزيد ؟ فقال : يا بنيّ كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز في الرعد والقتال والأحزاب ، قال تعالى : (( وَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللهُ بِهِ~ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الَّلعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) )) الرعد : 25 وأي قطيعة أفظع من قطيعته صلى الله عليه وسلم في ابن بنته الزهراء ، وقال تعالى : (( إِنَّ الَّذِيْنَ يُؤْذُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاْباً مُهِيْناً (57) )) الأحزاب : 57 وأي أذية له صلى الله عليه وسلم فوق قتل ابن بنته الزهراء ؟ قال تعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِعُوا أَرْحَاْمَكُمْ (22) أُوَلَئِكَ الَّذِيْنَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَاْرَهُمْ )) محمد : 23،22 وهل بعد قتل الحسين رضي الله عنه إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام ؟
رأي محمد الخضري بك في مقتل الحسين
وعلى الجملة فإن الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه الذي جرّ على الأمة وبال الفرقة والاختلاف وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك إلا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتد تباعدها ، وغاية ما في الأمر أن الرجل طلب أمراً لم يتهيأ له ولم يعدَّ له عدته فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه .
                                    من خطب الحسين عليه السلام
ومن خطبه رضي الله عنه قوله :
اعلموا أن المعروف يكسب حمداً ويعقب أجراً فلو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه رجلاً جميلاً يسر الناظرين ولو رأيتم اللؤم رجلاً لرأيتموه رجلاً قبيح المنظر تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار .
ومن دعائه بالكعبة الشريفة :
إلهي نعمتني فلم تجدني شاكراً ، وابتليتني فلم تجدني صابراً فلا أنت سلبت النعمة لترك الشكر ولا أدمت الشدة لترك الصبر ، إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم .
ومن كلامه في الحرب التي قتل فيها :
قد نزل من الأمر ما ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها وانشمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء وإلا خسيس عسيس كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله عزّ وجلّ ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا أرى الحياة مع الظالمين إلا جرماً .
كلماته رضي الله عنه :
       من كلماته وحكمه رضي الله عنه قوله :
1-    لا تتكلف مالا تطيق ولا تتعرض لما لا تدرك ولا تعد بما لا تقدر عليه ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت ولا تفرح إلا بما نلت من طاعة الله ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك له أهلاً .
2-           شر خصال الملوك : الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عن العطاء .
3-    إن الناس عبيد الأموال والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درّت به معايشهم فإذا مُحّصوا بالابتلاء قلّ الديانون .
4-           إن خير المال ما وُقي به العِرض .
5-           من جاد ساد ومن بخل ذل ومن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم على ربه غداً .
 
 
فضلاً وليس أمراً قل ( اللهم فرج هم كل مهموم ) 
 
 
المرجع من كتاب الحسن والحسين سيدا شباب الجنة
 
للمؤلف محمد رضا رحمه الله
 
 


Go to group website 
Remove me from the group mailing list

قطوف من سيرة الصديق رضى الله عنه


بسم الله ( فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم )
 
أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي, يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب , أبو بكر الصديق بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهي ابنة عم أبي قحافة .
لقب عتيقاً لعتقه من النار وقيل لحسن وجهه رضي الله
ولد أبو بكر سنة 573 م  بعد الفيل بثلاث سنين تقريبا وكان رضي الله عنه صديقاً للرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وهو أصغر منه سناً بثلاث سنوات.
وقيل : كنى بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة
أسلم من الصحابة بدعائه خمسة من العشرة المبشرون بالجنة وهم : عثمان بن عفان ، الزبير بن العوام ، عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم أجمعين .
كان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر وكان تاجرا ذا ثروة طائلة ، حسن المجالسة ، عالما بتعبير الرؤيا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً )
أعتق أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في الله تعالى وهم : بلال ، عامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية ، وابنتها ، وجارية بني مؤمل ، وأم عبيس
روي لأبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 142 حديثاُ
مدة خلافته رضي الله عنه سنتان وثلاثة أشهر وعشر ليال
زوجاته في الجاهلية : قتيلة بنت سعد وأنجبت له ( عبد الله وأسماء ) ، أم رومان وأنجبت له ( عبد الرحمن وعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وزوجاته في الإسلام ( أسماء بنت عميس ، حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي )
أسماء بنت أبي بكر الصديق هي ذات النطاقين وذلك لأنها قطعت قطعة من نطاقها فربطت به فم السفرة في الجراب التي صنعت لرسول الله وأبي بكر عند قيامهما بالهجرة
لما حضرت أبا بكر الوفاة اختار لهم عمر بن الخطاب قائلا : إذا لقيت ربي فسألني قلت استخلفت على أهلك خير أهلك .
توفى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم الاثنين 22 جمادي الآخرة سنة 13هـ  وله 63 سنة كرسول الله صلى الله عليه وعمر بن الخطاب .
وكان له خاتماً منقوشاً عليه ( نعم القادر الله )
وقيل أنه مات مسموما من قبل اليهود لعنهم الله بأرز أكله هو والحارث بن كلدة ، وقيل أنه اغتسل في يوم بارد فحمى خمسة عشر يوما
أعمال أبو الصديق رضي الله عنه :
1.     أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم
2.     أول من جمع القرآن الكريم
3.     أول من حارب المرتدين
4.     أول من سمى القرآن مصحف 
5.     أول خطيب دعا إلى الله تعالى
6.     كان يفتى الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
 
                                                                           المرجع من كتاب أبو بكر الصديق 
                                                                                    للمؤلف محمد رضا  

يا ترى لمن ستكون الغلبة


بسم الله الرحمن الرحيم
يا ترى لمن ستكون الغلبة  ؟
كان شاباً مستقيماً يدعو إلى الله في قريته وخارجها فكان كثيراً ما يخطب في الناس ويدعوهم إلى التوحيد الخالص والعقيدة الصافية وكان يحذرهم من الذهاب إلى السحرة ويبين لهم أن السحر كفر وأن الساحر رجل خبيث يعادي الله ورسوله ، وكان في قريته تلك رجل ساحر مشهور بين الناس إذا أراد شاب أن يتزوج ذهب إلى هذا الساحر وقال له : إنني سأتزوج في يوم كذا فماذا تريد ؟
فيطلب منه الساحر مبلغاً من المال ، فيدفعه هذا الشاب بلا تردد ، وإلاّ كان جزاؤه أن يُعقد عن زوجته فلا يستطيع أن يأتيها عند ذلك لم يجد بُداً من الذهاب إلى هذا الساحر ليفك له السحر ولكن الثمن مضاعف وكان هذا الشاب المستقيم يحارب هذا الساحر علانية ويفضح أمره على المنابر وفي الاجتماعات الخاصة والعامة ، ويصرح باسمه ويحذر الناس من الذهاب إليه ، ولم يكن هذا الشاب قد تزوج بعد فكان الناس ينتظرون يوم زواجه ليروا ماذا سيحدث من الساحر تجاهه ، وهل يستطيع الشاب المستقيم المتدين أن يحمي نفسه من هذا الساحر ؟.
        وأقبل الشاب على الزواج وقبل أن يدخل بأهله جاءني ( المقصود هنا المؤلف ) وقص لي القصة وقال : إن الساحر يتوعدني وأن أهل القرية ينتظرون لمن ستكون الغلبة ؟ فما رأيك ؟
هل تستطيع أن تعطيني  تحصينات ضد السحر مع العلم بأن الساحر سيبذل قصارى جهده ، وسيصنع أشد ما يقدر عليه من السحر ، لأنني أهنته كثيراً أمام الناس ! 
        فقلت له : نعم أستطيع إن شاء الله تعالى ولكن بشرط .
        قال : ما هو ؟
        قلت : ترسل إلى الساحر وتقول له إنني سأتزوج في يوم كذا ، وأنا أتحداك ، فاصنع ما شئت وإن لم تستطع فأحضر معك من شئت من السحرة واجعل هذا التحدي علانيةً أمام الناس .
        قال الشاب متردداً ! أنت متأكد مما تقول ؟
        قلت : نعم متأكد أن الغلبة للمؤمنين ، وأن الذل والصّغار على المجرمين .
        وفعلاً أرسل الشاب إلى الساحر متحدياً له أن يصنع ما بدا له وأعلمه بيوم زواجه ، وانتظر الناس في لهفة وشوق هذا اليوم العصيب .
        وأعطيت للشاب بعض هذه التحصينات التي سأذكرها بعد قليل إن شاء الله تعالى .
وكانت النتيجة أن تزوج الشاب ودخل بأهله ولم يؤثر فيه سحر الساحر ، ولا كيد الكائد واندهش الناس وتعجبوا وكان هذا الأمر نصراً للعقيدة ودليلاً واضحاً على صمود أهلها وحماية الله لهم أمام أهل الباطل وارتفع هذا الشاب بين أهله وعشيرته وقريته وسقطت هيبة هذا الساحر من أعين الناس .
والله أكبر ولله الحمد وما النصر إلا من عند الله .
نذكر بعض من التحصينات
الحصن الأول
تأكل 7 تمرات عجوة على الريق إن استطعت أن يكون من تمر المدينة المنورة فهذا هو المطلوب ، إن لم تستطع فأي تمرة عجوة توفر لديك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من اصطبح بسع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ) .
الحصن الثاني  ( الوضوء )
فإن السحر لا يؤثر في المسلم المتوضئ ، وإن المسلم المتوضئ محروس بملائكة من قبل الرحمن جلا وعلا  ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( طهروا هذه الأجساد طهركم الله ، فإنه ليس من عبد بات طاهراً ، إلا بات معه في شعاره ملك ، لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال ( اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً ) .
الحصن الثالث ( المحافظة على صلاة الجماعة  )
المحافظة على صلاة الجماعة تجعل المسلم في مأمن من الشيطان والتهاون فيها يجعل الشيطان يستحوذ على الإنسان وإذا استحوذ عليه أصباه بالمس أو السحر أو غيرها من الأشياء التي يقدر عليها الشيطان ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية  ) .
الحصن الرابع ( قيام الليل  )
من أراد أن يحصن نفسه من السحر فليقم شيئاً من الليل ولا يهمل في ذلك لأن الإهمال في قيام الليل يسلط الشيطان على الإنسان ، وإذا تسلط عليك الشيطان كنت أرضاً خصبة لتأثير السحر فيك ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل : ما زال نائماً حتى أصبح – أي أصبح لصلاة الفجر- ما قام إلى الصلاة – صلاة الليل – فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بال الشيطان في أذنه ) .
وروي سعيد بن منصور عن ابن عمر ( ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعن ذراعاً ) .
الحصن الخامس ( الاستعاذة عند دخول الخلاء   )
وذلك لأن الشيطان يستغل فرصة وجود المسلم في هذا المكان الخبيث الذي هو مسكن الشياطين ومأواهم ويتسلط عليه ، ولقد أخبرني أحد الشياطين أنه دخل في شخص لأنه لم يستعذ عند دخوله الخلاء فتسلط عليه ودخل فيه ولكن الله أعانني عليه فأمرته بالخروج فخرج والحمد لله . وقد قال لي أحد الجنون : إن الله أعطاكم أسلحة قوية تستطيعوا أن تقضوا علينا بها ولكنكم لا تستخدمونها قلت : ما هي ؟ قال : الأذكار النبوية .
الحصن السادس ( الاستعاذة عند الدخول في الصلاة  )
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال ( الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً ( ثلاثا ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ، ونفثه ، وهمزه . ( نفخه : الكير ، ونفثه :  الشعر ، وهمزه : الصرع والجنون ) .
الحصن السابع ( تحصين المرأة عند العقد بها   )
بعد ما تعقد على زوجتك تضع يدك اليمنى على جبهتها وتقول : ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ) ويمكن أن تزيد هذا الدعاء ( اللهم بارك لي فيها وقها شر حاسد إذ حسد ، وساحر إذا سحر ، وماكر إذا مكر ) .
الحصن الثامن ( التحصين عند الجماع   )
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فقضي بينهما ولد ، لم يضره شيطان أبداً ) ، وقد ذكر لي جني بعدما أسلم وتاب إلى الله أنه كان يشارك هذا الرجل –المريض- في مجامعته لزوجته لأنه لم يكن يقول هذا الدعاء .
        فسبحان الله كم معنا من الكنوز الثمينة ولكن لا نعرف قيمتها .
الحصن التاسع ( الوضوء قبل النوم   )
تتوضأ قبل النوم وتقرأ آية الكرسي وتذكر الله تعالى حتى يدركك النعاس ، فقد صح أن الشيطان قال لأبي هريرة : ( من قرأ آية الكرسي قبل النوم لا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال ( صدقك وهو كذوب )  .
الحصن العاشر ( قراءة آيات كل يوم بعد صلاة المغرب    )
تقرأ هذه الآيات كل يوم بعد صلاة المغرب .
1-  سورة البقرة من أية (1) إلى الآية (5) .
2-  آية الكرسي وآيتان بعدها .
3-  ثلاث آيات من آخر سورة البقرة .
       تحفظ من الجن والسحر في هذه الليلة وفي يومها إن شاء الله تعالى .
الحصن الحادي عشر
تقول بعد صلاة الفجر ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 100 مرة ) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن من قال ذلك في يوم ( كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ) .
الحصن الثاني عشر
تقول عند دخول المسجد ( أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قال ذلك قال الشيطان حُفظ مني سائر اليوم .
 الحصن الثالث عشر
تقول في الصباح والمساء ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات ) .
الحصن الرابع عشر
تقول عند الخروج من البيت ( بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) لأنك إذا قلت ذلك قيل لك ( كفيت ووفيت وهديت ويتنحى عنك الشيطان ويقول لشيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ) .
فضلاً وليس أمراً قل ( اللهم اشف كل مريض )
المرجع من كتاب :
الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار
للمؤلف :
وحيد عبد السلام بالي حفظه الله

محاولات سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضى الله عنهما !

بسم الله الرحمن الرحيم
محاولات سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما .
إن الكتب التاريخية تروي لنا مظاهر حقد أعداء الدين الإسلامي منذ ولادة نبي الهدى والرحمة صلوات الله وسلامه عليه . وذلك بعد فشلهم في مواجهته صلى الله عليه وسلم بالدليل والبرهان ، ومن أبشع هذه المظاهر محاولاتهم لقتله صلى الله عليه وسلم والتي باءت بالفشل لأن الله تعالى قد وعده بالعصمة . قال تعالى : (( والله يعصمك من الناس )) (1) .
وبعد عجزهم عن النيل منه صلى الله عليه وسلم في حياته استمروا في الكيد والعداء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ويتمثل ذلك في محاولاتهم لسرقة جسده الشريف من قبره المنيف . وأنى لهم ذلك وقد وعد الله نبيه بعصمته حيا وميتا . وفي الصفحات التالية بيان لهذه المحاولات ودراسة لبعض جوانبها .
المحاولة الأولى :
إن المحاولة الأولى لنقل الجسد الشريف من الحجرة الشريفة إلى مصر كانت في بداية القرن الخامس الهجري وذلك بإشارة من الحاكم العبيدي الملقب ” بالحاكم بأمر الله ” ( 2) . وعلى يد أبي الفتوح (3) .
وقد ذكر المؤرخون تفصيل هذه المحاولة نقلا عن تاريخ بغداد لابن النجار بسنده قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن المبارك المقرئ عن أبي المعالي صالح بن شافع الجيلي أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد المعلم ، ثنا أبو القاسم عبد الحليم ابن محمد المغربي أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر وزيَّنَ له ذلك ، وقال : متى تم لك ذلك شدّ الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر وكانت مَنْقَبَة لسكانها ، فاجتهد الحاكم في مدة وبنى بمصر حائزا وأنفق
(1)     سورة المائدة : 67 .
(2)   هو سادس الخلفاء العبيديين تولى الحكم في سنة 386 هـ  وادعى الألوهية سنة 408 هـ  ومات سنة 411 هـ  وكان قاسياً سفاكاً للدماء ودروز لبنان يقدسونه معتقدين أن الله قد حل فيه وينتظرون عودته . البداية والنهاية ( 11 / 441 ) .
(3)     هو أبو الفتوح الحسن بن جعفر من بني سليمان تولى إمرة مكة والمدينة سنة تسعين وثلاثمائة من الهجرة بأمر الحاكم العبيدي . صبح الأعشى للقلقشندي ( 4 / 299 ) .
عليه مالا جزيلا . قال : وبعث أبا الفتوح لنَبْشِ الموضع الشريف ، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد عَلِموا ما جاء فيه ، وحضر معهم قارئ يعرف بالزلباني ، فقرأ في المجلس (( و إن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم )) إلى قوله (( إن كنتم مؤمنين )) فماج الناس ، وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند وما منعهم من السرعة إلى ذلك إلا أن البلاد كانت لهم .
ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم : الله أحقُّ أن يُخشى ، والله لو كان على من الحاكم فَوَات الروح ما تعرضْتُ للموضع ، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية ، فما انصرف النهارُ ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحاً كادت الأرضُ تزَلْزَلُ من قوتها حتى دحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض ، وهلك أكثرها وخلق من الناس ، فانشرح صدر أبي الفتوح وذهب رَوْعُه من الحاكم لقيام عُذْره من امتناع ما جاء فيه (1) .
المحاولة الثانية :
 تفيد المصادر التاريخية أن الحاكم بأمر الله العبيدي حاول مرة أخرى لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه المحاولة باءت أيضا بالفشل والخذلان ، وحفظ الله نبيه صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر المؤرخون تفصيل هذه المحاولة نقلا عن كتاب تأسي أهل الإيمان فيما جرى على مدينة القيروان لابن سعدون القيرواني ما لفظه :
ثم أرسل الحاكم بأمر الله إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الذي أراد وسكن دارا بقرب المسجد وحفر تحت الأرض ليصل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا أنوارا وسمع صائح يقول : أيها الناس إن نبيكم ينبش ففتش الناس فوجدوهم فقتلوهم .
(1)     تحقيق النصرة ص 146 ، 147 الوفا بما يجب لحضرة المصطفى ص 129 وفاء الوفا ( 2 / 652 ،  653) عمدة الأخبار ص 128 ، 129 .
(2)      وفاء الوفا ( 2 / 653 ) .
المحاولة الثالثة :
 لقد خطط لهذه المحاولة بعض ملوك النصارى ونفذت بواسطة اثنين من النصارى المغاربة سنة 557هـ  وقد كان تخطيط هذه المحاولة وتنفيذها بكل دقة ومهارة لكن قدرة الله فوق كل شئ وقد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم بالحفظ والعصمة فحفظه وفشلت محاولة النصارى ، وقد ذكر المؤرخون تفاصيل هذه المحاولة فقال السمهودي : وقفت على رسالة قد صنفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى فرأيته ذكر فيها ما لفظه : وقد دعتهم أنفسهم – يعني النصارى – في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد (1) إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجُّد يأتي به بالليل وأوراد يأتي بها ، فنام عقبَ تهجده ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنْجِدْني أنْقِذْني من هذين ، فاستيقظ فزعا ، ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه ، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرة ثالثة ، فاستيقظ وقال : لم يبق نوم ، وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي فأرسل خَلْفَه ليلا ، وحكى له جميع ما اتفق له ، فقال له : وما قعودك ؟ اخرجِ الآن إلى المدينة المنورة ، واكتم ما رأيت ، فتجهَّز في بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرا ، وصحبته الوزير المذكور ومال كثير فقدم المدينة في ستة عشر يوما ، فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة وزار ، ثم جلس لا يدري ماذا يصنع فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد : إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحضر معه أموالا للصدقة فاكتبوا من عندكم ، فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم ، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صلى الله عليه وسلم له فلا يجد تلك الصفة ، فيعطيه ويأمره بالانصراف ، إلى أن انقضت الناس فقال السلطان : هل بقي أحد لم يأخذ شيئاً من الصدقة ؟ قالوا : لا ، فقال : تفكروا وتأملوا ، فقالوا : لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئاً ، وهما صالحان غنيَّان يكثران  
(1) هو محمد بن عماد الدين أبو القاسم نور الدين زنكي ، ولد في شوال سنة 511 هـ  ، قسمت دولة الأتابكة بعد وفاة أبيه بينه وبين أخيه ، فتولى حلب وأخوه سيف الدين الغازي الموصل ، وامتد نفوذ نور الدين إلى الموصل والجزيرة وسوريا ومصر وقونيا ، توفي سنة 569 هـ / 1174 م ودفن بالقلعة ، ثم نقل ودفن بمدرسته في سوق الخواصين بدمشق .  
الصدقة على المحاويج ، فانشرح صدرُه وقال : عليَّ بهما فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهما بقوله : أنجدني أنقذني من هذين ، فقال لهما : من أين أنتما ؟ فقالا : من بلاد المغرب ، جئنا حاجَّين فاخترنا المجاورة في هذا العام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اصْدُقاني ، فصمما على ذلك ، فقال : أين منزلهما ؟ فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر إلى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا وخَتْمَتَين وكتباً في الرقاق ولم ير فيه شيئا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا : إنهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات في الروضة الشريفة وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل يوم بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يرُدَّان سائلا قط بحيث سدَّا خلَّة أهل المدينة في هذا العام المجدب ، فقال السلطان : سبحان الله ولم يظهر شيئا مما رآه ، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه فرفع حصيرا في البيت فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صَوْب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك ، وقال السلطان عند ذلك : اصْدُقاني حالكما وضربهما ضربا شديدا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زي حجاج المغاربة وأمالوهما بأموال عظيمة وأمروهما بالتحيل في شئ عظيم خيَّلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول إلى الجناب الشريف ويفعلوا به ما زيَّنه لهم إبليس في النقل وما يترتب عليه ، فنزلا في أقرب رباط إلى الحجرة الشريفة ، وفعلا ما تقدم ، وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة ، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور ، وأقاما على ذلك مدة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرْعَدَتِ السماء وأبرقت ، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال ، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة . واتفق إمساكهما واعترافهما ، فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ، ورأى تأهيلَ الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديداً وأمر بضرب رقابهما ، فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة ، وهو مما يلي البقيع ثم عاد إلى مُلْكه وأمر بإضعاف النصارى ، وأمر أن لا يستعمل كافر على عمل من الأعمال ، وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها ، انتهى .
وقد أشار إلى ذلك الجمال المطري باختصار ، ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسَبْك الرصاص به ، لكن بيَّن السنة التي وقع فيها ذلك مع مخالفة لبعض ما تقدم ، فقال في الكلام على سور المدينة المحيط بها اليوم : وصل السلطان نور الدين محمود بن زَنْكي بن اقسنقد في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة الشريفة بسبب رؤيا رآها ذكرها بعض الناس وسمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عمن حدثه من أكابر من أدرك أن السلطان محمود المذكور رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول في كل واحدة : يا محمود أنقذني من هذين الشخصين الأشقرين تجاهه ، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك فقال له : هذا أمر حدث في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك ، فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك ، حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه وزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع فقال له الوزير : أتعرف الشخصين إذا رأيتهما ؟ قال : نعم ، فطلب الناس عامة للصدقة وفرق عليهم ذهباً كثيراً وفضة وقال : لا يبقيَنَّ أحدٌ بالمدينة إلا جاء ، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبلة حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم من خارج لمسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التي تعرف اليوم بدار العشرة ، فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا : نحن على كفاية ما نقبل شيئا فجدَّ في طلبهما فجئ بهما فلما رآهما قال للوزير : هما هذان فسألهما عن حالهما وما جاء بهما ، فقالا : لمجاورة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اصْدُقاني وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما فأقرَّا أنهما من النصارى وأنهما وصلا لكي ينقلا مَنْ في هذه الحجرة الشريفة باتفاق من مُلوكهم ووجدهما قد حفرا نقباً تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي ، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت هما فيه ، هكذا حدثني عمن حدثه فضرب أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها إلى الشام .
وقد ساق المجدُ هذه الواقعة على الوجه الذي ذكره المطري فقال : ومن الحوادث في المسجد الشريف ما نقله جماعة من مشايخ المدينة وعلمائها وذكر ما تقدم وكذلك الزين المراغي ذكر ما تقدم عن المطري نقلا عنه وزاد أن وزير السلطان نور الدين الذي استحضره وذكر له القصة هو الموفق خالد بن محمد بن نصر القيسراني الشاعر ، قال : وكان موفقا .
ومأخذه في ذلك – كما رأيته في حاشية بخطه على كتابه – أن الذهبي قال في ترجمة الموفق هذا : موفق الدين أبو البقاء صاحب الخط المنسوب وكان صدرا نبيلا ، وافر الحشمة ، وزر للسلطان نور الدين ، توفي بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، انتهى .
وقد خالف الزين في ذلك ما قدمناه عن شيخه الأسنوي من تسمية الوزير المذكور بجمال الدين الموصلي ، ولا يلزم من كون الموفق وزر للسلطان نور الدين أن يكون هو الوزير عند وقوع الرؤيا المذكورة ، لاحتمال أنه وزر له بعد ذلك أو قبله ، وجمال الدين الموصلي هذا هو الجواد الأصفهاني ، وقد تقدم ذكره في ترخيم الحجرة ، ووصفه بأنه وزير بني زنكي ، لأنه كان وزير والد نور الدين الشهيد الذي هو زنكي ثم وزر لولده غازي ، وأدرك دولة نور الدين الشهيد وزمان هذه الواقعة ، فالظاهر أنه وزر له وأنه المراد في هذه الواقعة .
وقال ابن الأثير : طالعت تواريخ الملوك المتقدمين قبل الإسلام وفيه إلى يومنا ، فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملكا أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين ، انتهى (1)  .     
بناء السور حول القبور الشريفة : ظهر من هذا السرد التاريخي أن المحاولتين الأولى والثانية لنقل جسد النبي صلى الله عليه وسلم كانتا ما بين سنة 386 – 411هـ  في عهد الحاكم العبيدي الإسماعيلي الملقب بالحاكم بأمر الله وفي المرة الثالثة قام نصارى المغرب بهذه المحاولة سنة 557 هـ  وفي كل مرة حفظ الله نبيه صلى الله عليه وسلم . ونظراً لما رأى السلطان نور الدين زنكي رحمه الله في المنام ما يتعلق بالمحاولة الثالثة أحب أن يحصن القبور الشريفة بسور رصاصي متين كيلا يتمكن أي زنديق للعودة إلى استخدام أسلوب السرداب السري في مثل هذه المحاولات . ووقد كان ذلك ، فمنذ أن بنى هذا السور لم يتجرأ أحد على تكرار هذه المحاولة سراً . وفيما يلي أهم ملامح بناء هذا السور .
(1) وفاء الوفا ( 2 / 648 – 652 ) .
أمر السلطان بحفر خندق عميق إلى الماء حول الحجرة الشريفة وصب فيها الرصاص بين أحجار عظيمة مربوطة بكتل من الحديد فأصبح الوضع بعد تمامه ثلاثة جدر ، جدار قائم على الماء مربوطة أحجاره بالحديد وأحجاره متداخلة في بعضها البعض وجدار آخر أمامه يشبهه تماما في الشكل والوضع والعمق وصب رصاص بين الجدارين على شكل قوالب الأحجار ، فشكل الرصاص بهذا الوصف جدارا ثالثا فصارت ثلاثة جدر محيطة بالحجرة الشريفة .
هذه خلاصة ما قاله الخيارى (1) . ، أما السمهودي وغيره من المؤرخين القدامى فلم يذكروا هذا التفصيل بل قالوا : أمر السلطان بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملأ به الخندق فصار حول الحجرة الشريفة سورا رصاصا إلى الماء حتى لا يتمكن أحد من العودة إلى مثل هذه المحاولة (2) .
وجدير بالذكر أن الدار التي جلس فيها السلطان نور الدين الزنكي لتوزيع المنح على أهل المدينة عرفت بدار الضيافة . وكانت موجودة شمالي المسجد خارج باب عمر بن الخطاب إلى أن هدمت في التوسعة السعودية الثانية وضمت إلى المسجد .
أما الموضع الذي كان يجمع فيه الرصاص ويذاب فكان على بعد خطوات من باب السلام وظل معروفا بسقيفة الرصاص إلى أن تهدم أثناء حريق القماشة في يوم الاثنين الموافق 18 / رجب 1397هـ . (3) .
المحاولة الرابعة :
 ذكر ابن جبير تفصيل هذه المحاولة حيث وصل مدينة الإسكندرية بمصر أثناء رحلته يوم السبت / التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 578هـ (4) ورحل منها يوم الأحد / الثامن لذي الحجة من السنة
(1) تاريخ معالم المدينة المنورة ص 84 .
(2) وفاء الوفا ( 2 / 60 ) مرآة الحرمين ( 1 / 474 ) .
(3) انظر صورة هذه السقيفة في : المدينة المنورة وأول بلدية في بلاد الإسلام ص 88 لمحمد عبد الجليل النمر .
(4) رحلة ابن جبير ص 12 .
نفسها (1) ، وذكر في رحلته ما شاهد بالإسكندرية .
لما حللنا الإسكندرية في الشهر المؤرخ أولا عاينا مجتمعا من الناس عظيماً بروزاً لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال ووجوههم إلى أذنابها وحولهم الطبول والأبواق . فسألنا عن قصتهم ، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزعا . وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من بحر القلزُم – البحر الأحمر – ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بكراء اتفقوا معهم عليه ، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم وأكملوا انشاءها وتأليفها ودفعوها في البحر وركبوها قاطعين بالحجاج ، وانتهوا إلى بحر النعم فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركباً ، وانتهوا إلى عيذاب فأخذوا فيها مركباً كان يأتي بالحجاج من جدة وأخذوا أيضا في البر قافلة كبيرة تأتي من قوص إلى عيذاب وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحداً وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن ، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام ولا انتهى رومي إلى ذلك الموضع قطّ .
ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراجه من الضريح المقدس . أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم . فأخذهم الله باجترائهم عليه وتعاطيهم ما تحول عناية القدر بينهم وبينه . ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم . فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والإسكندرية دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد المغاربة البحريين . فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه فأخذوا عن آخرهم . وكانت آية من آيات العنايات الجبارية ، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهلر ونصف أو حوله . وقتلوا وأسروا ، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها ووجه منهم إلى مكة والمدينة . وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمراً عظيماً ، والحمد لله رب العالمين . (2)
(1)     رحلة ابن جبير ص 17 .
(2) رحلة ابن جبير ص 31 ، 32 .
المحاولة الخامسة :
” يا صواب (1) : يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم ” (2) .
كلمات قالها أمير المدينة النبوية لشيخ خدام المسجد النبوي الشريف في شأن ناس من أهل حلب الذين جاءوا لإخراج جسد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الحجرة الشريفة ، وفيما يلي تفصيل ذلك :
لقد ذكر المحب الطبري في الرياض النضرة في فضائل العشرة قال : أخبرني هارون ابن الشيخ عمر بن الزغب – وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح والعبادة – عن أبيه ، وكان من الرجال الكبار – قال : كنت مجاوراً بالمدينة المنورة وشيخ خدام النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك شمسُ الدين صواب اللمطي وكان رجلا صالحاً كثير البر بالفقراء والشفقة عليهم وكان بيني وبينه أنس فقال لي يوماً : أخبرك بعجيبة كان لي صاحبٌ يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمسُّ حاجتي إليه فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال : أمر عظيم حدث اليوم ، قلت : وما هو ؟ قال : جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير بذلا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة وإخراج أبي بكر وعمر رضي الله عنهما منها فأجابهم على ذلك قال صواب : فاهتممت لذلك هما عظيما ، فلم أنشب أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته فقال لي : يا صواب : يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم قال : فقلت له : سمعا وطاعة ، قال : وخرجت ولم أزل يومي أجمع خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة ولا يشعر أحد ما بي حتى إذا كان الليل وصلينا العشاء الآخرة وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب فلم ننشب أن دق الباب الذي حذاء باب الأمير ، أي باب السلام ، فإن الأمير كان سكنه حينئذ بالحصن العتيق .
(1)   هو صواب الشمس الملطي شيخ الخدام ، وذكر السخاوي حكايته والثناء عليه ضمن ترجمة هارون بن الزغب . انظر التحفة اللطيفة ( 2 / 247 ) ترجمة رقم 1829 .  ( هكذا ذكره سخاوي ولعل الصواب اللمطي )
(2)     وفاء الوفا ( 2 / 653 ) والوفا بما يجب لحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ص 153 .
قال ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدُّهم واحداً بعد واحد ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر . قال : وقصدوا الحجرة الشريفة ، فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات ولم يبق لهم أثر ، قال : فاستبطأ الأمير خبرهم فدعاني وقال : يا صواب ألم يأتك القوم ؟ قلت : بلى ، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت ، قال : انظر ما تقول ، قلت : هو ذلك وقم فانظر هل ترى منهم باقية أو لهم أثراً ، فقال : هذا موضع هذا الحديث وإن ظهر منك كان يقطع رأسك ثم خرجت عنه قال المحب الطبري : فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الأصحاب فيهم من أثق بحديثه فقال : وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبدالله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي له هذه الحكاية سمعتها بأذني من فيه ، انتهى ما ذكره الطبري .
قال السمهودي : وقد ذكر أبو محمد عبدالله بن أبي عبدالله بن أبي محمد المرجاني هذه الواقعة باختصار في تاريخ المدينة له ، وقال : سمعتها من والدي يعني الإمام الجليل أبا عبدالله المرجاني ، قال : وقال لي : سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة ، قال أبو عبدالله المرجاني : ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة وذكر نحو ما تقدم إلا أنه قال : فدخل خمسة عشر – أو قال عشرون – رجلا بالمساحي فما مشوا غير خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الأرض ولم يسم الخادم ، والله أعلم (1) . 
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحاولة كانت في منتصف القرن السابع الهجري ويدل على ذلك قوله بعد ذكره هذه القصة : وأما أهل بغداد فقد تقدم في الباب الاعتذار عنهم بأنهم كانوا مشغولين بما داهمهم من أمر التتار فلذلك لم يرد جوابهم عن هذا الأمر (2).
(1)     وفا الوفا ( 2 / 653 ، 654 ) .
(2)     الوفا لما يجب لحضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ص 153 .
فعلم أن هذه المحاولة كانت عند انشغال العباسيين بأمر التتار ومعلوم أن ذلك كان في منتصف القرن السابع الهجري (1) .
وإنه لمن الغريب حقا أن يأتي ناس علنا بقصد إخراج أجساد الشيخين جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلاحظ أن هؤلاء الناس لم يستخدموا في هذه المحاولة أسلوب السرداب كما سبق ضمن بعض المحاولات لأن السور الرصاصي الموجود حول القبور الشريفة حال دونهم فلجأوا إلى مؤامرة علنية لدخول الحجرة الشريفة وحفر القبور المباركة بكل مكر ودهاء وبالتعاون مع أمير المدينة آنذاك وقد باءت هذه المحاولة بالفشل وحفظ الله جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور الشريفة .
دروس وعبر : إن محاولة سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما من أخطر حوادث التاريخ الإسلامي لأنها تهدف النيل من أفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وأفضل أصحابه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وتدل نتائج هذه المحاولات على أن كيد الكافرين مهما بلغ من الدقة والإتقان والإخفاء والمؤامرة فإنه أوهن عندالله من بيت العنكبوت وإن مصيره الفشل والخسران والندم في داري الدنيا والآخرة .
وقد قال تعالى إشارة إلى محاولة كفار مكة لقتله صلى الله عليه وسلم : (( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) (2) . وقال تعالى : (( والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )) (3) .
لا شك أن قدرة الله فوق كل شئ وأن لله جنودا يستخدمهم كيف يشاء ففي المحاولة الأولى لسرقة الجسد الشريف قام أهل المدينة بردع من جاؤوا بهذا الغرض فلاذوا بالفرار ثم أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها .
وفي المحاولة الثانية رأى أهل المدينة أنوارا وسمعوا صائحا يقول : أيها الناس إن نبيكم ينبش ففتشوا الناسَ وقتلوهم .
(1)     البداية والنهاية ( 13 / 213 ) .
(2)     الأنفال ، آية رقم 30 .
(3)     المائدة ، آية رقم 67 .
وفي المحاولة الثالثة قيض الله السلطان نور الدين الزنكي الذي قتل الرجلين اللذين أرادا نقل الجسد الشريف .
وفي المحاولة الرابعة تحرك أناس من مصر وأسروا نصارى الروم القادمين إلى المدينة المنورة بنية خبيثة .
وفي المرحلة الخامسة شاءت قدرة الله خسف كل من جاء لإخراج الشيخين رضي الله عنهما .
إن هذه الآيات الإلهية ظهرت عندما تجرأ البعض بمحاولات لسرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما . وقد قال عزوجل في كتابه : (( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين )) (1) .
(1)     سورة آل عمران ، آية رقم 54
المرجع من كتاب :  تاريخ المسجد النبوي الشريف
للمؤلف : د / محمد بن إلياس عبد الغني
فضلا وليس أمرا قل ( اللهم أصلح حال أمة محمد ) صلى الله عليه وسلم