Hotmail: بريد إلكتروني موثوق فيه ويتمتع بحماية قوية من البريد العشوائي. اشترك الآن.
أرشيف الكاتب: رامي الدعيس
لا تقطع الشجرة !
كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال لأقطعن هذه الشجرة ، فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان ، فقال : ما تريد ؟ قال أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله . قال إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال لأقطعنها . فقال له الشيطان هل لك فيما هو خير لك لا تقطعها و لك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال فمن أين لي ذلك قال أنا لك ، فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً ، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته و قال ما تريد ؟ قال أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله قال كذبت مالك إلى ذلك من سبيل : فذهب ليقطعها فضرب به الأرض و خنقه حتى كاد يقتله قال أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل . فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك . انتهى .
الشاهد :
نيّتك إما أن ترفعك وإما أن تضعك !
المرجع :
تلبيس إبليس ، الإمام ابن الجوزي رحمه الله ، ط / دار الندوة الجديدة ” ص 37 ” ، الباب الثالث : فصل في التحذير من فتن إبليس ومكايده ، بتصرف .
قطوف من سيرة الإمام الوالد عبد العزيز ابن باز رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام العلامة عبد العزيز بن باز ( 1335 هـ – 1420 هـ )
” إن الصبر ومرور الزمن الطويل ، يصنعان من القوة أكثر مما يصنعه التهيج الغاضب ” – الملك فيصل بن عبد العزيز –
الإمام العلامة الوالد واحد عصره وفريد زمانه سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته – مفتي الديار السعودية وأحد أعلام علماء المسلمين في العصر الحديث ، كان حجةً في رأيه عذباً في حديثه ليّن الجانب في معاملته لا يخشى في الله لومة لائم لا عتاب معاتب . كانت وفاته خسارة حقيقية للمسلمين بصفة عامة وللسعوديين بصفة خاصة الذين اتخذوه أباً ومربياً قبل أن يأخذوه عالماً ومفتياً .
ابن باز :
ولد في ذي الحجة سنة 1335هـ بمدينة الرياض وكان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1355هـ .
حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357 هـ ولم ينقطع عن طلب العلم حتى وفاته ، حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار وهي درجة قل أن يبلغها أحد خاصة في هذا العصر وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل .
اتّصف الشيخ عبد العزيز بلين الجانب وخفض الجناح من ناحية والشجاعة والجرأة والجهر بالحق من ناحية أخرى مع سكينة ووقار وسماحة وسعة صدر وحسن إصغاء .
مشايخه :
تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء ، ومن أبرزهم :
1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( قاضي الرياض ) .
2- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب
3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ( قاضي الرياض ) .
4- الشيخ حمد بن فارس ( وكيل بيت المال في الرياض ) .
5- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ( مفتي المملكة العربية السعودية ) وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 هـ إلى سنة 1357 هـ .
6- الشيخ سعد وقاص البخاري ( من علماء مكة المكرمة ) أخذ عنه علم التجويد في عام 1355 هـ .
آثاره :
منذ تولى القضاء في مدينة الخرج عام 1357 هـ وهو ملازم للتدريس في حلقات منتظمة حتى أواخر أيامه ، ففي الخرج كانت حلقاته مستمرة أيام الأسبوع عدا يومي الثلاثاء والجمعة ، ولديه طلاب متفرغون لطلب العلم من أبرزهم :
1- الشيخ عبد الله الكنهل .
2- الشيخ راشد بن صالح الخنين .
3- الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ز
4- الشيخ عبد اللطيف بن شديد .
5- الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود .
6- الشيخ عبد الرحمن بن جلال .
7- الشيخ صالح بن هليل . وغيرهم .
في عام 1372 هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هـ وقد أسس حلقة التدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها ولازمها كثير من طلبة العلم وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها عام 1390 هـ إلى 1395 هـ عقد حلقة للتدريس في المسجد النبوي .
مؤلفاته :
1- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة .
2- الفوائد الجلية في المباحث الفرضية .
3- التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة ( توضيح المناسك ) .
4- التحذير من البدع ويشتمل على أربع مقالات مفيدة : ( حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى : الشيخ أحمد ) .
5- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام .
6- العقيدة الصحيحة وما يضادها .
7- وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها .
8- الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة .
9- وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه .
10- حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار .
11- نقد القومية العربية .
12- الجواب المفيد في حكم التصوير .
13- الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، دعوته وسيرته .
14- ثلاث رسائل في الصلاة :
(أ) كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
(ب) وجوب أداء الصلاة في جماعة .
(ج) أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع ؟
15- حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
16- حاشية مفيدة على فتح الباري .
17- رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب .
18- إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين .
19- الجهاد في سبيل الله .
20- الدروس المهمة لعامة الأمة .
21- فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة .
22- وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة .
23- تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار .
هذا ما تم طبعه ويوجد له تعليقات على بعض الكتب مثل : بلوغ المرام ، تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ( لم تطبع ) ، التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة ، تحفة أهل العلم والإيمان بمختارات من الأحاديث الصحيحة والحسان ، إلى غير ذلك .
وفي الرابع عشر من شهر شوال عام 1395 هجرية أصدر الملك خالد بن عبد العزيز – رحمه الله – أمرا ملكياً بتعيين الشيخ ابن باز رئيساً عاماً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بمرتبة وزير ، وفي شهر محرم من عام 1414 هجرية وبمقترح من الشيخ ابن باز صدر أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإنشاء وزارة للشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد والأوقاف ، ويتضمن الأمر الملكي تعيين ابن باز في منصب المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء التي كانت رئاستها دورية بين أعضائها من الكبار سناً – ورئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير حيث ظل يشغل هذا الموقع إلى أن لقي ربه .
وقد عرف ابن باز كمحدث وعَلَم من أعلام الإسلام في هذا الزمان فقد برز في علوم الحديث بعد أن قرأ كتب السنة ووعاها وتخصص إلى جانب معرفة فقهها في التمييز بين صحيحها وضعيفها حتى أصبحت أحكامه على الأحاديث من حيث الصحة والضعف مرجعاً للمستفيدين وباتت فتاواه ومحاضراته ودروسه المكتوبة والحية وعبر برنامجه الشهير ( نور على الدرب ) الذي تبثه إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية معينا لا ينضب للباحثين عن الهداية والراغبين في الاستزادة من علوم الشرع والدين في أنحاء المعمورة مما عزز من مكانة ابن باز كمحدث ، كما أقر ابن باز – رحمه الله – منهجاً لم يكن معروفاً في عالمنا الإسلامي في عصرنا هذا وهو الإفتاء بالاستناد إلى القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية حيث إن معظم المفتين يعتمدون في فتاواهم على ما ذكره علماء المذاهب الإسلامية في السؤال موضوع الفتوى .
كما تقلد الإمام – رحمه الله – مناصب أخرى ، منها أنه كان :
– رئيساً وعضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي .
– رئيساً للمجلس الأعلى العالمي للمساجد .
– رئيساً للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي .
– عضواً في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .
– عضواً في الهيئة العليا للدعوة الإسلامية .
حاز الإمام – رحمه الله – جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1402 هـ وتبرع بقيمتها إلى دار الحديث ؛ دعماً لطلاب الحديث ورعاية لهم وهذا مما يدلل على اهتمام الإمام البالغ بالحديث النبوي الشريف .
قال عنه الشيخ الشهيد أحمد ياسين – رحمه الله – ( مؤسس وزعيم حركة الجهاد الإسلامي ” حماس ” في فلسطين ) :
” كان ابن باز علامة ومرجعاً إسلامياً على النطاق العالمي ، له باع طويل في الدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين وهو على قدر كبير من العلم والتمسك بطريق السلف الصالح السائرين على منهج الكتاب والسنة في الدعوة الإسلامية .
ولن أنسى موقفه حين جاءه بعض الناس يطلبون رأيه بالسلام مع إسرائيل فأخرج لهؤلاء بياناً لحركة حماس جاء فيه : إن أرض فلسطين كلها أرض وقف إسلامي لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها . وهو عالم المرحلة الذي ترك بصمات واضحة في العصر الحاضر ” .
وقال عنه الشيخ د . عايض بن عبد الله القرني :
إن قام سوق العلم فهو كمالك | * | أو مد باع الزهد فالشيباني |
أو غاص في التفسير قلت مجاهد | * | والفقه والتعليم كالنعمان |
وإذا تزاحمت الوفود فحاتم | * | وكأحنف في الحلم والغفران |
ويقول د . عبد الرحمن العشماوي :
هو قلعة العلماء قد بنيت على | * | ثقة بعون الخالق المنان |
وأمامها هزمت دعاوى ملحد | * | وارتد موج البغي والبهتان |
وتطايرت شُبه العقول لأنها | * | وجدت بناءً ثابت الأركان |
هو قلعة ظلت تحاط بروضة | * | خضراء من ذكر ومن قرآن |
وفاته :
انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس 27 محرم 1420 هـ عن عمر يناهز التسعين عاماً ، وصُلي عليه بالحرم المكي الشريف يوم الجمعة 28 محرم كما صلي عليه صلاة الغائب في جميع مساجد المملكة والعديد من المساجد في الدول العربية والإسلامية وقد تم دفنه في مقبرة العدل بمكة المكرمة .
رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .
المرجع :
أيتام غيروا مجرى التاريخ ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / العبيكان ” 81 – 89 ” ، فصل : الإمام العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ، بتصرف.
ما ورد في فضل شهر الله المحرم
ما ورد في فضل شهر الله المحرم
وعشره الأول
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل )) . (1)
(1) أخرجه مسلم ( 1163 ) من حديث أبي هريرة .
خلاف حول أي الشهور أفضل :
وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل ؟ فقال الحسن وغيره : أفضلها شهر الله المحرم ورجحه طائفة من المتأخرين وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن قال : إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم وكان يسمى (( شهر الله الأصم )) من شدة تحريمه وقد روى عنه مرفوعا ومرسلا قال آدم بن أبي إياس : حدثنا أبو هلال الراسبي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل الأوسط وأفضل الشهور بعد شهر رمضان المحرم وهو شهر الله الأصم )) .
وأخرج النسائي من حديث أبي ذر قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الليل خير وأي الأشهر أفضل ؟ فقال : (( خير الليل جوفه وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم )) وإطلاقه في هذا الحديث أفضل الأشهر محمول على ما بعد رمضان كما في رواية الحسن المرسلة . وقال سعيد بن جبير وغيره (( أفضل الأشهر الحرم ذو القعدة )) أو ذو الحجة بل قد قيل (( إنه أفضل الأشهر مطلقاً )) وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .
وزعم بعض الشافعية أن أفضل الأشهر الحرم رجب وهو قول مردود وأفضل شهر الله المحرم عشره الأول وقد زعم يمان بن رآب أنه العشر الذي أقسم الله به في كتابه ولكن الصحيح أن العشر المقسم به عشر ذي الحجة كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .
(1) أبو عثمان النهدي : هو عبد الرحمن بن ملَّ ممن أدرك الجاهلية لكنه أسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم فهو في عداد التابعين .
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواصَّ مخلوقاته كما نسب محمدا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته .
(1) عبد الله بن المبارك : إمام من أئمة المسلمين جمع بين العلم والزهد والجهاد في سبيل الله توفي بالعراق سنة 182 هـ ، والذي قاله يشير إلى أن الأعمال بخواتيمها كما صح به الحديث .
شــــــعر :
شهرُ الحرام مبارك ميمون
والصوم فيه مضاعفٌ مسنونُ
وثواب صائمه لوجه إلهــــه
في الخلد عنه مليكـه مخـزونُ
وممن سرد الصوم عمر وأبو طلحة وعائشة وغيرهم من الصحابة وخلق كثير من السلف وممن صام الأشهر الحرم كلها ابن عمر والحسن البصري وغيرهما ، قال بعضهم : إنما هو غذاء وعشاء فإن أخرت غداءك إلى عشائك أمسيت وقد كتبت في ديوان الصائمين .
في التوراة : طوبى لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر ، طوبى لمن ظمأ نفسه ليوم الري الأكبر ، طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غُيِّبَ لم يره ، طوبى لمن ترك طعاما ينفد في دار تنفد لدار (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا )) .
حكمة إخفاء الصوم :
ولما كان الصيام سراً بين العبد وبين ربه اجتهد المخلصون في إخفائه بكل طريق حتى لا يطلع عليه أحد ، قال بعض الصالحين : بلغنا عن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه قال : إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فيظن أنه ليس بصائم .
وقال أبو التياح : أدركت أبي وشيخةَ الحي إذا صام أحدهم ادَّهن وليس صالح ثيابه .
صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد وكان له دكان فكان كل يوم يأخذ من بيته رغيفين ويخرج إلى دكانه فيتصدق بهما في طريقه فيظن أهله أنه يأكلهما في السوق ويظن أهل السوق أنه قد أكل في بيته قبل أن يجئ .
اشتهر بعض الصالحين بكثرة الصيام فكان يقوم يوم الجمعة في مسجد الجامع فيأخذ إبريق الماء فيضع بلبلته في فيه ويمتصها والناس ينظرون إليه لا يدخل حلقه منه شيئ لينفي عن نفسه ما اشتهر به من الصوم .
كم يستر الصادقون أحوالهم وريح الصدق ينم عليهم ، ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية .
الفصل الثاني
في فضل قيام الليل
وقد دل حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا على أنه أفضل الصلاة بعد المكتوبة ، وهل هو أفضل من السنن الراتبة ؟ فيه خلاف سبق ذكره .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه (( فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية )) وأخرجه الطبراني عنه مرفوعا والمحفوظ وقفه .
وقال عمرو بن العاص : ركعة بالليل خير من عشر بالنهار ، أخرجه ابن أبي الدنيا ، وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار لأنها أبلغ في الأسرار وأقرب إلى الإخلاص .
كان السلف يجتهدون على إخفاء تهجدهم .
قال الحسن : كان الرجل يكون عنده زواره فيقوم من الليل يصلي لا يعلم به زواره .
كما قال تعالى : (( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً )) ولهذا المعنى أمر بترتيل القرآن في قيام الليل ترتيلا ، ولهذا كانت صلاة الليل تنهاه عن الإثم كما يأتي في حديث أخرجه الترمذي .
وفي المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : إن فلانا يصلي من الليل فإذا أصبح سرق ، فقال : سينهاه ما تقول .
فائدتان عظيمتان في قيام الليل :
فأشارت عائشة رضي الله عنها إلى قيام الليل فيه ( فائدتان عظيمتان ) .
1- الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأسي به وقد قال الله عز وجل : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )) .
2- وتكفير الذنوب والخطايا فإن بني آدم يخطئون بالليل والنهار فيحتاجون إلى الاستكثار من مكفرات الخطايا .
حديث المنام ودلالته على فضل قيام الليل :
وفي حديث المنام المشهور الذي خرجه الإمام أحمد والترمذي (( أن الملأ الأعلى يختصمون في الدرجات والكفارات وفيه أن الدرجات إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام )) .
أبيات من الشعر :
يـــا رجــــالَ الـليل جِـدُّوا رُبَّ داع لا يــــــُرَدُّ
مـــا يــقوم الـلـــــــــيل إلا من له عَـزْم وجِــــدُّ
ليــس شــئٌ كـصــــــــلاة الـلـــيل لِلقــبر يُعـــد
صلى كثير من السلف صلاة الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة ومنهم من صلى كذلك أربعين سنة ، قال بعضهم : منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر .
قال ثابت : كابدت قيام الليل عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة أخرى .
أفضل قيام الليل وسطه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه )) .
يا نفس قومي فقد نام الـــورى
إن تصنعي الخير فذو العرش يرى
وأنت يا عين دعى عنك الكرى (3)
عند الصباح يحمد الــــــــقوم السرى
قيل لابن مسعود رضي الله عنه : ما نستطيع قيام الليل ، قال : أقعدتكم ذنوبكم ، وقيل للحسن : قد أعجزنا قيام الليل ، قال : قيدتكم خطاياكم ، وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك ، قال الحسن : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل .
(2) المعرسون : يقال : عرس المسافر إذا نزل عن دابته في وجه السحر للراحة .
(3) الكرى : النوم .
(4) ثياب رثة : أي بالية متهالكة .
صلاتُك نورّ والعــبادُ رقــود
ونومك ضِدٌّ للصلاة عنيـــدُ
كان بعض العلماء يقوم السحر فنام عن ذلك ليالي فرأى في منامه رجلين وقفا عليه وقال أحدهما للآخر : هذا كان من المستغفرين بالأسحار فترك ذلك .
وكان آخر يقوم الليل فنام ليلة فأتاه آت في منامه فقال : ما لك قصرت في الخطبة ؟
أما علمت أن المتهجد إذا قام إلى تهجده قالت الملائكة قام الخاطب إلى خطبته ؟ ورأى بعضهم حوراء في نومه فقال لها : زوجيني نفسك ، قالت : اخطبني إلى ربي وامهرني ، قال : ما مهرك ؟ قالت : طول التهجد .
نام ليلة أبو سليمان فأيقظته حوراء وقالت : يا أبا سليمان تنام وأنا أرَبَّى لك في الخدور من خمسمائة عام ؟ .
يا راقـــد الـــليل كم ترقـــــد
قـــم يا حبيبي قــد دنا الــموعـــــدُ
وخــذ من الــليل وأوقــاتـــه
وِرْدا إذا مـــــا هَــجَـــــع الرقّـــــَد
من نام حتى ينقضــي ليلـــــهُ
لم يبلــــغ المـــــــنزل أو يجهـــــدُ
قل لأولـى الألــباب أهـل التقـى
قـــنطـــرة الـــعرض لكم موعــــدُ
في يوم عاشوراء :
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني رمضان .
يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام كما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وروى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء فصوموه أنتم )) خرجه بقى بن مخلد في مسنده .
وقد كان أهل الكتاب يصومونه وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه ، قال دلهم ابن صالح : قلت لعكرمة : عاشوراء ما أمره ؟ قال : أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا فتعاظم في صدورهم فسألوا : ما توبتهم ؟ قيل : صوم عاشوراء يوم العاشر من المحرم .
فعل الرافضة فيه :
وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً ، فكيف بمن دونهم ؟ .
ومن فضائل يوم عاشوراء أنه يوم تاب الله فيه على قوم من فضائل يوم عاشوراء .
وقد سبق حديث على الذي خرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (( إن كنت صائما شهرا بعد رمضان فصم المحرم فإن فيه يوما تاب الله على قوم ويتوب فيه على آخرين )) وقد صح من حديث أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال : سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء
فقال : (( المحرم شهر الله الأصم ، فيه يوم تيب فيه على آدم فإن استطعت أن لا يمر بك إلا صمته )) كذا رُوِيَ عن شعبة عن أبي إسحاق .
سيد الاستغفار :
وفي حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) الاعتراف يمحو الاقتراف كما قيل :
فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه
كما أن إنكار الذنوب ذنوب
حسد إبليس آدم :
لما ظهرت فضائل آدم عليه السلام على الخلائق بسجود الملائكة له وبتعليمه أسماء كل شئ وإخباره الملائكة بها وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأُسكن هو وزوجته الجنة ظهر الحسد من إبليس وسعى في الأذى ، وما زالت الفضائل إذا ظهرت تُحسدَ .
شعـــــــر :
لا مات حسادك بل خُلِّــــدوا
حتى يروا منك الذي يُكْمِد
لا زالت محسوداً على نعمةٍ
فإنما الكامل من يُحْسَـــــــدُ
فما زال يحتال على آدم حتى تسبب في إخراجه من الجنة وما فهم الأبله أن آدم إذا خرج منها كملت فضائله ثم عاد إلى الجنة على أكمل من حاله الأول ، إنما أهلك إبليس العُجْبُ بنفسه ولذلك قال (( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ )) وإنما كملت فضائل آدم باعترافه على نفسه (( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا )) .
كان إبليس كلما أوقد نار الحسد لآدم فاح بها ريح طيب آدم واحتراق إبليس :
شعــــــر :
وإذا أراد الله نشـــر فضــيلـــة
طُويَت أتاح لها لسانَ حســــــود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيبُ عَرْفِ العود
قال بعض السلف : آدم أخرج من الجنة بذنب واحد وأنتم تعملون الذنوب وتكثرون منها وتريدون أن تدخلوا بها الجنة .
(1) سبانا : أسرنا .
(2) الحديث في الصحيحين وفي غيرهما ، وانظر صحيح مسلم ( 2652 ) .
(3) أخرجه مسلم ( 2664 ) وتمامه : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلًّ خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شئ فلا تقل : لو أن فعلت كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان )) .
من فضلك قل ( اللهم أنر على أهل القبور قبورهم )
المرجع :
لطائف المعارف ، الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، ط / دار الحديث ” ص 45 – 86 ” ، فصل : شهر الله المحرم ، بتصرف.
قطوف من سيرة الشيخ المجاهد أحمد ياسين
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ المجاهد أحمد ياسين ( 1938 – 2005 )
” الذي لا رأي له ، رأسه كمقبض الباب ، يستطيع أن يديره كل من يشاء ”
مولده ونشأته :
هو الشيخ أحمد إسماعيل ياسين الذي ولد في جورة عسقلان قضاء المجدل عام 1938 م ليعيش بعدها مدة من شظف العيش وقسوته ؛ فقد مات والده وهو ابن خمس سنين ، واضطر إلى اللجوء إلى قطاع غزة عقب هزيمة عام 1948 م وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره واقتات هو وأهله ما كان يتبقى من معسكرات الجيش المصري هناك ثم كانت ثالثة الأثافي في عام 1952 م حين تعرض لحادثة وهو ابن الرابعة عشرة أثناء ممارسته الرياضة مع بعض أقرانه ؛ حيث أصيب بكسر في فقرات العنق نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تاماً ليعرف حينها أنه سيبقى رهين الكرسي طيلة حياته . كما عانى الشيخ المجاهد خلال حياته كذلك – إضافة إلى الشلل التام – من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية في مدة سجنه وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى .
إلا أن هذا الشلل وهذه الأمراض لم تثن عزيمة الشيخ فترك الشيخ الدراسة لمدة عام ( 1949 – 1950 ) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة ثم عاود الدراسة مرة أخرى . فأكمل تعليمه الثانوي في العام الدراسي 57 / 1958 م ، ثم نجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض على حالته الصحية فعمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية ثم عمل خطيباً ومرساً في مساجد غزة أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته في الحق .
نشاطه السياسي :
اعتنق الشيخ أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 م والتي تدعو إلى فهم صحيح للإسلام وتطبيق مبادئه في مناحي الحياة كافة وفق ما تذكر أدبياتها. اعتقلته السلطات المصرية في عام 1965 م لمدة شهر واحد .
كما شارك الشهيد الشيخ الرمز وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم .
كانت مواهب الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة ، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك ، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية التي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954 ، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان . وقد تركت مدة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله : ” إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم ، وأكدت ( مدة الاعتقال ) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية ” .
وبعد هزيمة 1983 م استمر الشيخ أحمد ياسين رغم الاحتلال في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه ونشط كذلك في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين ثم أسس المجمع الإسلامي في غزة عام 1973 م وبقي رئيساً له حتى عام 1984م.
وفي عام 1983 اعتقل الشيخ أحمد ياسين بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة الدولة العبرية من الوجود وقد حوكم الشيخ أمام محكمة عسكرية صهيونية أصدرت عليه حكماً بالسجن لمدة 13 عاماً ثم ما لبث أن أفرج عنه عام 1985 م في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، بعد أن أمضى 11 شهراً في السجن .
أسس الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من النشطاء الإسلاميين تنظيماً لحركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” في قطاع غزة في العام 1987 .
داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله أواخر شهر آب / أغسطس 1988 ، وقامت بتفتيشه وهددته بدفعه في مقعده المتحرك عبر الحدود ونفيه إلى لبنان .
وفي ليلة 18 / 5 / 1989 قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة ” حماس ” في محاولة لوقف المقاومة المسلحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء .
وفي يوم 16 أكتوبر / تشرين الأول 1991 أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه خمسة عشر عاماً بعد أن وجهت للشيخ لائحة اتهام تتضمن 9 بنود منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة ” حماس ” وجهازيها العسكري والأمني .
وفي 13 / 12 / 1992 قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنّون ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان ، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية في منزل في قرية بيرنبالا قرب القدس .
أفرج عنه فجر يوم الأربعاء 1 / 1 / 1997 بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن والكيان الصهيوني للإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين صهيونيين اعتقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس ” .
وخلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية سبتمبر 2000 شاركت حركة ” حماس ” بزعامة أمير الشهداء الشيخ ياسين في مسيرة المقاومة الفلسطينية بفاعلية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها وبناء جهازها العسكري حيث تتهم سلطات الاحتلال الصهيوني ” حماس ” تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية وظلت قوات الاحتلال الصهيوني تحرض دول العالم على اعتبارها حركة إرهابية وتجميد أموالها وهو ما استجابت له أوربا حينما خضع الاتحاد الأوربي عام 2003 للضغوط الأمريكية والصهيونية وضمت الحركة بجناحها السياسي إلى قائمة المنظمات الإرهابية .
وبسبب اختلاف سياسة ” حماس ” عن السلطة كثيراً ما كانت تلجأ السلطة للضغط على ” حماس ” ، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية .
محاولة اغتياله :
في 13 يونيو 2003 ، أعلنت المصادر الإسرائيلية أن الشيخ ياسين لا يتمتع بحصانة وأنه عرضة لأي عمل عسكري إسرائيلي . وفي 6 سبتمبر / أيلول 2003 تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال إسرائيلية عندما قامت المقاتلات الإسرائيلية من طراز F / 16 بإلقاء قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزّة ، وكان الشيخ أحمد ياسين متواجداً في شقّة داخل المبنى المستهدف مع مرافقه إسماعيل هنية فأصيب الشيخ ياسين بجروح طفيفة جرّاء القصف . وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بعد الغارة الجوية أن الشيخ أحمد ياسين كان الهدف الرئيس من العملية الجوية.
استشهاده :
استشهد الشيخ أحمد ياسين وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره بعد مغادرته مسجد المجمّع الاسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة وأدائه صلاة الفجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون . حيث قامت المروحيات الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه فسقط الشيخ قتيلاً في لحظتها وجُرح اثنان من أبناء الشيخ في العملية وقُتِلَ 7 من مرافقيه .
وبعد استشهاده سالت الدموع بغزارة من عيون الفلسطينيين حزنا على فراق الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” .. في حين علت أصوات المساجد مؤبنة هذا الرجل القعيد الذي شهدته ساحاتها خطيباً وداعية ومحرضا للناس على الجهاد والمقاومة .
ولم يكن صباح مدينة غزة عادياً هذا اليوم 22 / 3 / 3002 ، حيث تلبدت السماء بدخان أسود انطلق من النيران التي أشعلت في إطارات السيارات وضج صمتها أصوات القنابل المحلية الصوت الذي أطلقه الفتية.
آلاف الفلسطينيين هرعوا من نومهم غير مصدقين النبأ ، نبأ استشهاد شيخ الانتفاضتين ( كما كان يطلق عليه أنصار حماس ) تجمهروا أمام ثلاجات الشهداء بمستشفى الشفاء بغزة حيث يرقد الشيخ الذي طالما رأوا فيه الأب قبل القائد والأخ قبل المقاتل العنيد .
وهناك اختلطت المشاعر شبان يبكون وأطفال يهتفون ومجاهدون يتوعدون بالثأر وشيوخ التزموا الصمت إلا من دموع قد تحجرت في المقل حزنا على الشيخ الذي يعد أحد أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي .
قال الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي – رحمه الله – مرة : ” أنا لم أرَ إنساناً في حياتي فوَّض أمره إلى الله كالشيخ أحمد ياسين ” .
* وبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين – رحمه الله – رثاه الشاعر
د / عبد الرحمن العشماوي بقصيدة رائعة تصف الحال بعد استشهاده ، وهي :
هم أكسبوك من السباق رهانا | * | فربحت أنت وأدركوا الخسرانا |
هم أوصلوك إلى مُناك بغدرهم | * | فأذقتهم فوق الهوان هوانا |
إني لأرجو أن تكون بنارهم | * | لما رموك بها ، بلغت جِنانا |
غدروا بشيبتك الكريمة جهرةً | * | أبشر فقد أورثتهم خذلانا |
أهل الإساءة هم ، ولكن ما دروا | * | كم قدموا لشموخك الإحسانا |
لقب الشهادة مَطْمَحٌ لم تدَّخر | * | وُسْعَاً لتحمله فكنت وكانا |
يا أحمد الياسين ، كنت مفوهاً | * | بالصمت ، كان الصمت منك بيانا |
ما كنت إلاّ همة وعزيمةً | * | وشموخ صبرٍ أعجز العدوانا |
فرحي بنيل مُناك يمزج دمعتي | * | ببشارتي ويخفِّف الأحزانا |
وثَّقْتَ بالله اتصالك حينما | * | صليت فجرك تطلب الغفرانا |
وتلوت آيات الكتاب مرتلاً | * | متأملاً .. تتدبر القرآنا |
جبهتك الكريمة ساجدا | * | إن السجود ليرفع الإنسانا |
وخرجت يتبعك الأحبة ، ما دروا | * | أن الفراق من الأحبة حانا |
كرسيك المتحرك اختصر المدى | * | وطوى بك الآفاق والأزمانا |
علمته معنى الإباء ، فلم يكن | * | مثل الكراسي الراجفات هوانا |
معك استلذ الموت ، صار وفاؤه | * | مثلاً ، وصار إباؤه عنوانا |
أشلاء كرسي البطولة شاهدٌ | * | عدل يدين الغادر الخوانا |
لكأنني أبصرت في عجلاته | * | ألماً لفقدك ، لوعة وحنانا |
حزناً لأنك قد رحلت ، ولم تعد | * | تمشي به ، كالطود لا تتوانى |
إني لتسألني العدالة بعدما | * | لقيت جحود القوم ، والنكرانا |
هل أبصرت أجفان أمريكا اللظى | * | أم أنها لا تملك الأجفانا ؟ |
وعيون أوربا تُراها لم تزل | * | في غفلة لا تبصر الطغيانا |
هل أبصروا جسدا على كرسيه | * | لما تناثر في الصباح عيانا |
أين الحضارة أيها الغرب الذي | * | جعل الحضارة جمرةً ، ودخانا |
عذراً ، فما هذا سؤالُ تعطُّفٍ | * | قد ضلَّ من يستعطف البركانا |
هذا سؤالٌ لا يجيد جوابه | * | من يعبد الأهواء والشيطانا |
يا أحمدُ الياسين ، إن ودعتنا | * | فلقد تركت الصدق والإيمانا |
أنا إن بكيتُ فإنما أبكي على | * | مليارنا لما غدوا قُطعانا |
أبكي على هذا الشتات لأمتي | * | أبكي الخلاف المُرَّ ، والأضغانا |
أبكي ولي أملٌ كبيرٌ أن أرى | * | في أمتي من يكسر الأوثانا |
إلا ربيعاً بالهدى مُزدانا | * | في شعر لحيتك الكريمة صورةٌ |
للفجر حين يبشِّر الأكوانا | * | فرحتْ بك الحورُ الحسان كأنني |
بك عندهن مغرِّداً جَذْلانا | * | قدَّمْتَ في الدنيا المهورَ وربما |
بشموخ صبرك قد عقدت قِرانا | * | هذا رجائي يابن ياسين الذي |
شيَّدتُ في قلبي له بنيانا | * | دمُك الزَّكيُّ هو الينابيع التي |
تسقي الجذور وتنعش الأغصانا | * | روَّيتَ بستانَ الإباء بدفقه |
ما أجمل الأنهارَ والبستانا | * | ستظل نجماً في سماء جهادنا |
يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا |
المرجع :
أيتام غيروا مجرى التاريخ ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / مكتبة العبيكان ” 139 – 152 ” ، فصل : الشيخ المجاهد أحمد ياسين رحمه الله ، بتصرف.