قطوف من سيرة الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه الله رحمة واسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

” الحكيم من يبتهج بالمصائب ؛ ليقطف منها الفوائد ”

– الكواكبي –

الشيخ الداعية أحمد ديدات ( 1918 – 2005 ) :

لا يذكر أعلام الدعوة إلى الإسلام في العصر الحديث إلا ونجد اسم الشيخ أحمد ديدات يشع في مصاف الكبار منهم وفي مقدمة المؤثرين منهم والذي وصل نور الإسلام الحق إلى ملايين البشر عن طريقهم .

سيرة الشيخ أحمد ديدات لا تكفيها وريقات ولا حتى مجلدات نملأ بها مخازن كتب بأكملها ؛ لأن سيرته وكتاباته تتعدى حروفاً على ورق إلى معاني جليلة ننير بها ظلمات الجهل العقدي الذي يلف عالمنا اليوم .

سيرة الشيخ ديدات نبراس حقيقي لكل من يحمل همّ الدعوة إلى الله أو يطمح إلى ذلك …….. فمن هو الشيخ أحمد ديدات ؟

ولد الشيخ أحمد حسين ديدات عام 1918 م في بلدة ( تادكيشنار ) بولاية ( سوارات ) الهندية .

* هاجر إلى جنوب إفريقيا في عام 1927 م ليلحق بوالده .

* بدأ دراسته في العاشرة من عمره حتى أكمل الصف السادس ولكن الظروف المادية الصعبة أعاقت استكماله لدراسته .

* عمل في عام 1934 بائعاً في دكان لبيع المواد الغذائية ثم سائقاً في مصنع أثاث ثم شغل وظيفة ( كاتب ) في المصنع نفسه وتدرج في المناصب حتى أصبح مديراً للمصنع بعد ذلك .

* في أواخر الأربعينيات التحق الشيخ أحمد ديدات بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة الكهربائية ومواضيع فنية أخرى ولما تمكن من توفير قدر من المال رحل إلى باكستان عام 1949 م وقد مكث في باكستان فترة منكبّاً على تنظيم معمل للنسيج .

* تزوج الشيخ أحمد ديدات وأنجب ولدين وابنة واحدة .

* اضطر الشيخ أحمد ديدات إلى العودة مرة أخرى إلى جنوب إفريقيا بعد ثلاث سنوات للحيلولة دون فقدانه لجنسيتها حيث إنه ليس من مواليد جنوب إفريقيا .

وقد عرض عليه فور وصوله إلى جنوب إفريقيا استلام منصب مدير مصنع الأثاث الذي كان يعمل فيه سابقاً .

* في بداية الخمسينيات أصدر كتبيه الأول : ” ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ” ثم نشر بعد ذلك أحد أبرز كتيباته : ” هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ ” .

* في عام 1959 م توقف الشيخ أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته فيما بعد وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات والمحاضرات . وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك – جيمي سواجارت – أنيس شروش .

* أسس معهد السلام لتخريج الدعاة والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ( ديربان ) بجنوب إفريقيا .

* ألف الشيخ أحمد ديدات ما يزيد عن عشرين كتاباً وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي طبع بعضها وقام بإلقاء آلاف المحاضرات في جميع أنحاء العالم .

ولهذه المجهودات الضخمة مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986 م ( بالمشاركة ) .

بداية طريق الدعوة :

يتحدث الشيخ أحمد ديدات عن بداية طريق الدعوة فيقول :

كنت أعمل في دكان قريب من موقع إرسالية آدمز ميشين ( كلية آدمز ) وكان من عادة الطلبة في هذه الكلية أن يأتوا إلى المحل وكانوا مبشرين تحت التدريب .

كانوا يأتون إلى المحل ويرونني وبقية العاملين المسلمين في المحل وكانوا يتحدثون إلينا بأشياء عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وعن أمور وأشياء ليس لدي أي معرفة عنها .

ومن هذه الكلية توافد علينا المبشرون الذين حولوا حياتنا إلى بؤس وعذاب فلقد كانوا يتدربون هناك على كيفية مواجهة المسلمين .

وحينما كانوا يأتون لشراء ما يحتاجون إليه من المحل كانوا ينهالون علينا بالأسئلة والانتقادات فيقولون :

– هل تعلمون أن محمداً تزوج نساءً كثيراتٍ جدّاً ؟

وحينئذ لم يكن لدي أدنى معرفة بذلك .

– وهل تعلمون أن محمداً نشر دينه بحدّ السيف ؟

ولم يكن لدي أدنى معرفة عن ذلك .

– وهل تعلمون أنه قد نقل كتابه عن اليهود والنصارى ؟

ولم يكن لدي أدنى علم بذلك .

كان الموقف في غاية الصعوبة بالنسبة لي ماذا أفعل كمسلم ؟ هل أردُّ على الهجوم ؟

ولكن كيف ذلك ؟ وليس لدي من العلم والمعرفة ما أردُّ به ..

وهل أهرب من المكان ؟

والحصول على عمل في تلك الأيام كان أمراً عسيراً .

وكان لدي توقٌ شديدٌ للمعرفة وللقراءة . وفي صباح يوم الراحة الأسبوعية دخلت المخزن الخاص برئيسي وأخذت أقلب في كومة من الصحف القديمة وأفتش عن مادة جيدة أقرؤها وانهمكت في البحث إلى أن عثرت على كتاب قضمته الحشرات – وفيما بعد جدّدت غلاف هذا الكتاب الذي قضمته الحشرات – وحينما أمسكت بالكتاب ثارت منه رائحة نفاذة أثارت أنفي وانتابتني حالة من العطس فقد كان الكتاب قديماً ومتعفناً .

قرأت عنوان الكتاب وهو : ( إظهار الحق ) .. كان وقعه في أذني وكأن العنوان بالعربية .

كان الكتاب قديماً وصدر في الهند عام 1915 م قبل ميلادي بثلاث سنوات فلقد ولدت عام 1918 م فهو أقدم مني بثلاث سنوات .

وبفضل هذا الكتاب تغيرت حياتي تماماً ولو لم أصادف هذا الكتاب ما كنت لأقوم بما أقوم به الآن وأعني بذلك التحدث إلى الناس عن الأديان من منطلق المقارنة بينها .

هكذا كانت البداية .. من هذا المكان .. بدأ كل شيئ من هنا منذ خمسين عاماً خلت .

بعض مؤلفاته :

ولقد أصدر عدة كتب تتعلق جميعها بالمقارنة بين الأديان وطبع ونشر من هذه الكتب مائة ألف نسخة في المرة الواحدة ..

ومن هذه الكتب كتاب بعنوان :

ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟

( What the Bible Says about Muhummed ? ) ( PBUH )

ولقد طبع منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة .

وكتاب آخر :

هل الكتاب المقدس كلام الله ؟

( Is the Bible God’s Word ? )

وقد طبع منه أكثر من مئتين وستين ألف نسخة .

وكتب أخرى مثل :

مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء .

( Crucifixion or Cruci – fiction )

والمسيح في الإسلام  . ( Christ in Islam )

والحل الإسلامي للمشكلة العنصرية .

( Islam’s Answer to the Racial Problem )

والمسلم يؤدي الصلاة .

( The Muslim at Prayer )

ومن دحرج الحجر ؟

( Who Moved the Stone ? )  وغيرها .

مرضه ووفاته :

أصيب الشيخ أحمد ديدات بمرض عضال منذ عام 1996 م أجبره على لزوم الفراش وبقي صابراً محتسباً إلى أن وافته المنية يوم الإثنين الموافق 3 شهر رجب 1426هـ بتوقيت إفريقيا وصُلي على الفقيد بعد صلاة المغرب في أحد مساجد مدينة فيرلم التي تقع على بعد 30 كم شمالي مدينة ديربان التي توفي في أحد مستشفياتها .

ورغم إصابة الداعية الكبير بشلل تام في كل جسده – عدا دماغه – ولزومه الفراش منذ عام 1996 فإنه رحمه الله واصل دعوته من خلال الرسائل والتي تتدفق عليه يوميا من جميع أنحاء العالم ويصل في المتوسط إلى 500 رسالة يومية سواء بالهاتف أو الفاكس أو عبر الإنترنت والبريد . رحم الله الشيخ رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ، انتهى.

المرجع :

عظماء بلا مدارس ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / مكتبة العبيكان ” 67 – 72 ” ، فصل : الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه الله ، بتصرف.

قطوف من سيرة الإمام الوالد عبد العزيز ابن باز رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام العلامة عبد العزيز بن باز ( 1335 هـ – 1420 هـ )

” إن الصبر ومرور الزمن الطويل ، يصنعان من القوة أكثر مما يصنعه التهيج الغاضب ” – الملك فيصل بن عبد العزيز –

الإمام العلامة الوالد واحد عصره وفريد زمانه سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته – مفتي الديار السعودية وأحد أعلام علماء المسلمين في العصر الحديث ، كان حجةً في رأيه عذباً في حديثه ليّن الجانب في معاملته لا يخشى في الله لومة لائم لا عتاب معاتب . كانت وفاته خسارة حقيقية للمسلمين بصفة عامة وللسعوديين بصفة خاصة الذين اتخذوه أباً ومربياً قبل أن يأخذوه عالماً ومفتياً .

ابن باز :

ولد في ذي الحجة سنة 1335هـ بمدينة الرياض وكان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1355هـ .

حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1357 هـ ولم ينقطع عن طلب العلم حتى وفاته ، حيث لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم وقد عني عناية خاصة بالحديث وعلومه حتى أصبح حكمه على الحديث من حيث الصحة والضعف محل اعتبار وهي درجة قل أن يبلغها أحد خاصة في هذا العصر وظهر أثر ذلك على كتاباته وفتواه حيث كان يتخير من الأقوال ما يسنده الدليل .

اتّصف الشيخ عبد العزيز بلين الجانب وخفض الجناح من ناحية والشجاعة والجرأة والجهر بالحق من ناحية أخرى مع سكينة ووقار وسماحة وسعة صدر وحسن إصغاء .

مشايخه :

تلقى العلم على أيدي كثير من العلماء ، ومن أبرزهم :

1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( قاضي الرياض ) .

2- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ( قاضي الرياض ) .

4- الشيخ حمد بن فارس ( وكيل بيت المال في الرياض ) .

5- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ( مفتي المملكة العربية السعودية ) وقد لازم حلقاته نحوا من عشر سنوات وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 هـ إلى سنة 1357 هـ .

6- الشيخ سعد وقاص البخاري ( من علماء مكة المكرمة ) أخذ عنه علم التجويد في عام 1355 هـ .

آثاره :

منذ تولى القضاء في مدينة الخرج عام 1357 هـ وهو ملازم للتدريس في حلقات منتظمة حتى أواخر أيامه ، ففي الخرج كانت حلقاته مستمرة أيام الأسبوع عدا يومي الثلاثاء والجمعة ، ولديه طلاب متفرغون لطلب العلم من أبرزهم :

1- الشيخ عبد الله الكنهل .

2- الشيخ راشد بن صالح الخنين .

3- الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ز

4- الشيخ عبد اللطيف بن شديد .

5- الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود .

6- الشيخ عبد الرحمن بن جلال .

7- الشيخ صالح بن هليل . وغيرهم .

في عام 1372 هـ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد الرياض العلمي ثم في كلية الشريعة بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه والحديث والتوحيد إلى أن نقل نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1381 هـ وقد أسس حلقة التدريس في الجامع الكبير بالرياض منذ انتقل إليها ولازمها كثير من طلبة العلم وأثناء وجوده بالمدينة المنورة من عام 1381 هـ نائبا لرئيس الجامعة ورئيسا لها عام 1390 هـ إلى 1395 هـ عقد حلقة للتدريس في المسجد النبوي .

مؤلفاته :

1- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة .

2- الفوائد الجلية في المباحث الفرضية .

3- التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة ( توضيح المناسك ) .

4- التحذير من البدع ويشتمل على أربع مقالات مفيدة : ( حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى : الشيخ أحمد ) .

5- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام .

6- العقيدة الصحيحة وما يضادها .

7- وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها .

8- الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة .

9- وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه .

10- حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار .

11- نقد القومية العربية .

12- الجواب المفيد في حكم التصوير .

13- الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، دعوته وسيرته .

14- ثلاث رسائل في الصلاة :

(أ) كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

(ب) وجوب أداء الصلاة في جماعة .

(ج) أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع ؟

15- حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

16- حاشية مفيدة على فتح الباري .

17- رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب .

18- إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين .

19- الجهاد في سبيل الله .

20- الدروس المهمة لعامة الأمة .

21- فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة .

22- وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة .

23- تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من الأدعية والأذكار .

هذا ما تم طبعه ويوجد له تعليقات على بعض الكتب مثل : بلوغ المرام ، تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ( لم تطبع ) ، التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة ، تحفة أهل العلم والإيمان بمختارات من الأحاديث الصحيحة والحسان ، إلى غير ذلك .

وفي الرابع عشر من شهر شوال عام 1395 هجرية أصدر الملك خالد بن عبد العزيز – رحمه الله – أمرا ملكياً بتعيين الشيخ ابن باز رئيساً عاماً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بمرتبة وزير ، وفي شهر محرم من عام 1414 هجرية وبمقترح من الشيخ ابن باز صدر أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإنشاء وزارة للشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد والأوقاف ، ويتضمن الأمر الملكي تعيين ابن باز في منصب المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيساً لهيئة كبار العلماء التي كانت رئاستها دورية بين أعضائها من الكبار سناً – ورئيساً لإدارة البحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير حيث ظل يشغل هذا الموقع إلى أن لقي ربه .

وقد عرف ابن باز كمحدث وعَلَم من أعلام الإسلام في هذا الزمان فقد برز في علوم الحديث بعد أن قرأ كتب السنة ووعاها وتخصص إلى جانب معرفة فقهها في التمييز بين صحيحها وضعيفها حتى أصبحت أحكامه على الأحاديث من حيث الصحة والضعف مرجعاً للمستفيدين وباتت فتاواه ومحاضراته ودروسه المكتوبة والحية وعبر برنامجه الشهير ( نور على الدرب ) الذي تبثه إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية معينا لا ينضب للباحثين عن الهداية والراغبين في الاستزادة من علوم الشرع والدين في أنحاء المعمورة مما عزز من مكانة ابن باز كمحدث ، كما أقر ابن باز – رحمه الله – منهجاً لم يكن معروفاً في عالمنا الإسلامي في عصرنا هذا وهو الإفتاء بالاستناد إلى القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية حيث إن معظم المفتين يعتمدون في فتاواهم على ما ذكره علماء المذاهب الإسلامية في السؤال موضوع الفتوى .

كما تقلد الإمام – رحمه الله – مناصب أخرى ، منها أنه كان :

– رئيساً وعضواً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي .

– رئيساً للمجلس الأعلى العالمي للمساجد .

– رئيساً للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي .

– عضواً في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة .

– عضواً في الهيئة العليا للدعوة الإسلامية .

حاز الإمام – رحمه الله – جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1402 هـ وتبرع بقيمتها إلى دار الحديث ؛ دعماً لطلاب الحديث ورعاية لهم وهذا مما يدلل على اهتمام الإمام البالغ بالحديث النبوي الشريف .

قال عنه الشيخ الشهيد أحمد ياسين – رحمه الله – ( مؤسس وزعيم حركة الجهاد الإسلامي ” حماس ” في فلسطين ) :

” كان ابن باز علامة ومرجعاً إسلامياً على النطاق العالمي ، له باع طويل في الدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين وهو على قدر كبير من العلم والتمسك بطريق السلف الصالح السائرين على منهج الكتاب والسنة في الدعوة الإسلامية .

ولن أنسى موقفه حين جاءه بعض الناس يطلبون رأيه بالسلام مع إسرائيل فأخرج لهؤلاء بياناً لحركة حماس جاء فيه : إن أرض فلسطين كلها أرض وقف إسلامي لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها . وهو عالم المرحلة الذي ترك بصمات واضحة في العصر الحاضر ” .

وقال عنه الشيخ د . عايض بن عبد الله القرني :

إن قام سوق العلم فهو كمالك * أو مد باع الزهد فالشيباني
أو غاص في التفسير قلت مجاهد * والفقه والتعليم كالنعمان
وإذا تزاحمت الوفود فحاتم * وكأحنف في الحلم والغفران

ويقول د . عبد الرحمن العشماوي :

هو قلعة العلماء قد بنيت على * ثقة بعون الخالق المنان
وأمامها هزمت دعاوى ملحد * وارتد موج البغي والبهتان
وتطايرت شُبه العقول لأنها * وجدت بناءً ثابت الأركان
هو قلعة ظلت تحاط بروضة * خضراء من ذكر ومن قرآن

وفاته :

انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس 27 محرم 1420 هـ عن عمر يناهز التسعين عاماً ، وصُلي عليه بالحرم المكي الشريف يوم الجمعة 28 محرم كما صلي عليه صلاة الغائب في جميع مساجد المملكة والعديد من المساجد في الدول العربية والإسلامية وقد تم دفنه في مقبرة العدل بمكة المكرمة .

رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .

المرجع :

أيتام غيروا مجرى التاريخ  ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / العبيكان ” 81 – 89 ” ، فصل : الإمام العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ، بتصرف.

 

 

قطوف من سيرة الشيخ المجاهد أحمد ياسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ المجاهد أحمد ياسين ( 1938 – 2005 )

” الذي لا رأي له ، رأسه كمقبض الباب ، يستطيع أن يديره كل من يشاء ”

مولده ونشأته :

هو الشيخ أحمد إسماعيل ياسين الذي ولد في جورة عسقلان قضاء المجدل عام 1938 م ليعيش بعدها مدة من شظف العيش وقسوته ؛ فقد مات والده وهو ابن خمس سنين ، واضطر إلى اللجوء إلى قطاع غزة عقب هزيمة عام 1948 م وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره واقتات هو وأهله ما كان يتبقى من معسكرات الجيش المصري هناك ثم كانت ثالثة الأثافي في عام 1952 م حين تعرض لحادثة وهو ابن الرابعة عشرة أثناء ممارسته الرياضة مع بعض أقرانه ؛ حيث أصيب بكسر في فقرات العنق نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تاماً ليعرف حينها أنه سيبقى رهين الكرسي طيلة حياته . كما عانى الشيخ المجاهد خلال حياته كذلك – إضافة إلى الشلل التام – من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية في مدة سجنه وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى .

إلا أن هذا الشلل وهذه الأمراض لم تثن عزيمة الشيخ فترك الشيخ الدراسة لمدة عام ( 1949 – 1950 ) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة ثم عاود الدراسة مرة أخرى . فأكمل تعليمه الثانوي في العام الدراسي 57 / 1958 م ، ثم نجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض على حالته الصحية فعمل مدرساً للغة العربية والتربية الإسلامية ثم عمل خطيباً ومرساً في مساجد غزة أصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه قطاع غزة لقوة حجته وجسارته في الحق .

نشاطه السياسي :

اعتنق الشيخ أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 م والتي تدعو إلى فهم صحيح للإسلام وتطبيق مبادئه في مناحي الحياة كافة وفق ما تذكر أدبياتها. اعتقلته السلطات المصرية في عام 1965 م لمدة شهر واحد .

كما شارك الشهيد الشيخ الرمز وهو في العشرين من العمر في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم .

كانت مواهب الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الخطابية قد بدأت تظهر بقوة ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة ، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك ، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية التي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954 ، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان . وقد تركت مدة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله : ” إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم ، وأكدت ( مدة الاعتقال ) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية ” .

وبعد هزيمة 1983 م استمر الشيخ أحمد ياسين رغم الاحتلال في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباسي الذي كان يخطب فيه ونشط كذلك في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين ثم أسس المجمع الإسلامي في غزة عام 1973 م وبقي رئيساً له حتى عام 1984م.

وفي عام 1983 اعتقل الشيخ أحمد ياسين بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيم عسكري والتحريض على إزالة الدولة العبرية من الوجود وقد حوكم الشيخ أمام محكمة عسكرية صهيونية أصدرت عليه حكماً بالسجن لمدة 13 عاماً ثم ما لبث أن أفرج عنه عام 1985 م في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، بعد أن أمضى 11 شهراً في السجن .

أسس الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من النشطاء الإسلاميين تنظيماً لحركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” في قطاع غزة في العام 1987 .

داهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله أواخر شهر آب / أغسطس 1988 ، وقامت بتفتيشه وهددته بدفعه في مقعده المتحرك عبر الحدود ونفيه إلى لبنان .

وفي ليلة 18 / 5 / 1989 قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ أحمد ياسين مع المئات من أبناء حركة ” حماس ” في محاولة لوقف المقاومة المسلحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء .

وفي يوم 16 أكتوبر / تشرين الأول 1991 أصدرت محكمة عسكرية صهيونية حكماً بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه خمسة عشر عاماً بعد أن وجهت للشيخ لائحة اتهام تتضمن 9 بنود منها التحريض على اختطاف وقتل جنود صهاينة وتأسيس حركة ” حماس ” وجهازيها العسكري والأمني .

وفي 13 / 12 / 1992 قامت مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي صهيوني وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنّون ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان ، إلا أن الحكومة الصهيونية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية في منزل في قرية بيرنبالا قرب القدس .

أفرج عنه فجر يوم الأربعاء 1 / 1 / 1997 بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن والكيان الصهيوني للإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين صهيونيين اعتقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس ” .

وخلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية سبتمبر 2000 شاركت حركة ” حماس ” بزعامة أمير الشهداء الشيخ ياسين في مسيرة المقاومة الفلسطينية بفاعلية بعد أن أعادت تنظيم صفوفها وبناء جهازها العسكري حيث تتهم سلطات الاحتلال الصهيوني ” حماس ” تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية وظلت قوات الاحتلال الصهيوني تحرض دول العالم على اعتبارها حركة إرهابية وتجميد أموالها وهو ما استجابت له أوربا حينما خضع الاتحاد الأوربي عام 2003 للضغوط الأمريكية والصهيونية وضمت الحركة بجناحها السياسي إلى قائمة المنظمات الإرهابية .

وبسبب اختلاف سياسة ” حماس ” عن السلطة كثيراً ما كانت تلجأ السلطة للضغط على ” حماس ” ، وفي هذا السياق فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ الشهيد الرمز أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية .

محاولة اغتياله :

في 13 يونيو 2003 ، أعلنت المصادر الإسرائيلية أن الشيخ ياسين لا يتمتع بحصانة وأنه عرضة لأي عمل عسكري إسرائيلي . وفي 6 سبتمبر / أيلول 2003 تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال إسرائيلية عندما قامت المقاتلات الإسرائيلية من طراز F / 16  بإلقاء قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزّة ، وكان الشيخ أحمد ياسين متواجداً في شقّة داخل المبنى المستهدف مع مرافقه إسماعيل هنية فأصيب الشيخ ياسين بجروح طفيفة جرّاء القصف . وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بعد الغارة الجوية أن الشيخ أحمد ياسين كان الهدف الرئيس من العملية الجوية.

استشهاده :

استشهد الشيخ أحمد ياسين وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره بعد مغادرته مسجد المجمّع الاسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة وأدائه صلاة الفجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون . حيث قامت المروحيات الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه فسقط الشيخ قتيلاً في لحظتها وجُرح اثنان من أبناء الشيخ في العملية وقُتِلَ 7 من مرافقيه .

وبعد استشهاده سالت الدموع بغزارة من عيون الفلسطينيين حزنا على فراق الشيخ أحمد ياسين زعيم ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” .. في حين علت أصوات المساجد مؤبنة هذا الرجل القعيد الذي شهدته ساحاتها خطيباً وداعية ومحرضا للناس على الجهاد والمقاومة .

ولم يكن صباح مدينة غزة عادياً هذا اليوم 22 / 3 / 3002 ، حيث تلبدت السماء بدخان أسود انطلق من النيران التي أشعلت في إطارات السيارات وضج صمتها أصوات القنابل المحلية الصوت الذي أطلقه الفتية.

آلاف الفلسطينيين هرعوا من نومهم غير مصدقين النبأ ، نبأ استشهاد شيخ الانتفاضتين ( كما كان يطلق عليه أنصار حماس ) تجمهروا أمام ثلاجات الشهداء بمستشفى الشفاء بغزة حيث يرقد الشيخ الذي طالما رأوا فيه الأب قبل القائد والأخ قبل المقاتل العنيد .

وهناك اختلطت المشاعر شبان يبكون وأطفال يهتفون ومجاهدون يتوعدون بالثأر وشيوخ التزموا الصمت إلا من دموع قد تحجرت في المقل حزنا على الشيخ الذي يعد أحد أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي .

قال الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي – رحمه الله – مرة : ” أنا لم أرَ إنساناً في حياتي فوَّض أمره إلى الله كالشيخ أحمد ياسين ” .

* وبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين – رحمه الله – رثاه الشاعر

د / عبد الرحمن العشماوي بقصيدة رائعة تصف الحال بعد استشهاده ، وهي :

هم أكسبوك من السباق رهانا * فربحت أنت وأدركوا الخسرانا
هم أوصلوك إلى مُناك بغدرهم * فأذقتهم فوق الهوان هوانا
إني لأرجو أن تكون بنارهم * لما رموك بها ، بلغت جِنانا
غدروا بشيبتك الكريمة جهرةً * أبشر فقد أورثتهم خذلانا
أهل الإساءة هم ، ولكن ما دروا * كم قدموا لشموخك الإحسانا
لقب الشهادة مَطْمَحٌ لم تدَّخر * وُسْعَاً لتحمله فكنت وكانا
يا أحمد الياسين ، كنت مفوهاً * بالصمت ، كان الصمت منك بيانا
ما كنت إلاّ همة وعزيمةً * وشموخ صبرٍ أعجز العدوانا
فرحي بنيل مُناك يمزج دمعتي * ببشارتي ويخفِّف الأحزانا
وثَّقْتَ بالله اتصالك حينما * صليت فجرك تطلب الغفرانا
وتلوت آيات الكتاب مرتلاً * متأملاً .. تتدبر القرآنا
جبهتك الكريمة ساجدا * إن السجود ليرفع الإنسانا
وخرجت يتبعك الأحبة ، ما دروا * أن الفراق من الأحبة حانا
كرسيك المتحرك اختصر المدى * وطوى بك الآفاق والأزمانا
علمته معنى الإباء ، فلم يكن * مثل الكراسي الراجفات هوانا
معك استلذ الموت ، صار وفاؤه * مثلاً ، وصار إباؤه عنوانا
أشلاء كرسي البطولة شاهدٌ * عدل يدين الغادر الخوانا
لكأنني أبصرت في عجلاته * ألماً لفقدك ، لوعة وحنانا
حزناً لأنك قد رحلت ، ولم تعد * تمشي به ، كالطود لا تتوانى
إني لتسألني العدالة بعدما * لقيت جحود القوم ، والنكرانا
هل أبصرت أجفان أمريكا اللظى * أم أنها لا تملك الأجفانا ؟
وعيون أوربا تُراها لم تزل * في غفلة لا تبصر الطغيانا
هل أبصروا جسدا على كرسيه * لما تناثر في الصباح عيانا
أين الحضارة أيها الغرب الذي * جعل الحضارة جمرةً ، ودخانا
عذراً ، فما هذا سؤالُ تعطُّفٍ * قد ضلَّ من يستعطف البركانا
هذا سؤالٌ لا يجيد جوابه * من يعبد الأهواء والشيطانا
يا أحمدُ الياسين ، إن ودعتنا * فلقد تركت الصدق والإيمانا
أنا إن بكيتُ فإنما أبكي على * مليارنا لما غدوا قُطعانا
أبكي على هذا الشتات لأمتي * أبكي الخلاف المُرَّ ، والأضغانا
أبكي ولي أملٌ كبيرٌ أن أرى * في أمتي من يكسر الأوثانا
إلا ربيعاً بالهدى مُزدانا * في شعر لحيتك الكريمة صورةٌ
للفجر حين يبشِّر الأكوانا * فرحتْ بك الحورُ الحسان كأنني
بك عندهن مغرِّداً جَذْلانا * قدَّمْتَ في الدنيا المهورَ وربما
بشموخ صبرك قد عقدت قِرانا * هذا رجائي يابن ياسين الذي
شيَّدتُ في قلبي له بنيانا * دمُك الزَّكيُّ هو الينابيع التي
تسقي الجذور وتنعش الأغصانا * روَّيتَ بستانَ الإباء بدفقه
ما أجمل الأنهارَ والبستانا * ستظل نجماً في سماء جهادنا

يا مُقْعَداً جعل العدوَّ جبانا

المرجع :

أيتام غيروا مجرى التاريخ ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / مكتبة العبيكان ” 139 – 152 ” ، فصل : الشيخ المجاهد أحمد ياسين رحمه الله ، بتصرف.

 

كيف عرف الرعاة بموت عمر ؟

أولاً : قال : حدثنا مالك بن دينار قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز رحمه الله قالت رعاة الشاة في ذروة الجبال : من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس ؟ فقيل لهم : وما علمكم بذلك ؟ قالوا : إنا إذا قام على الناس خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شاننا .

ثانياً : قال : حدثنا حسن القصار قال : كنت أحلب الغنم في خلافة عمر بن العزيز فمررت براع وفي غنمه نحو من ثلاثين ذئباً فحسبتها كلاباً ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك فقلت : يا راعي ! ما ترجو بهذه الكلاب كلها ؟ فقال : يا بني : إنها ليست كلاباً أنما هي ذئاب فقلت سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها ؟ فقال يا بني ! إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس وكذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز .

ثالثاً وأخيراً : قال : حدثنا موسى بن أعين قال : كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاء والذئب ترعى في مكان والله واحد فبينما نحن ذات ليلة ، إذ عرض الذئب لشاة فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك ، قال حماد : فحدثني هذا أو غيره أنهم حسبوا، فوجده قد مات في تلك الليلة . انتهى . فلله درك يا عمر .

المرجع :

سيرة ومناقب عمر بن العزيز ، الإمام ابن الجوزي رحمه الله ، ط / دار المنار ” ص 56 ، 57 ” ، الباب السابع عشر : في ذكر سيرته وعدله في رعيته ، بتصرف .

مهلا مهلا يا عمر ابن الخطاب

يروى في بعض الأخبار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي حذيفة بن اليمان ( صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهو يومئذٍ أمير المؤمنين فقال لحذيفة : كيف أصبحت يا حذيفة ؟

قال : أصبحت يا أمير المؤمنين أحب الفتنة ، وأكره الحق ، وأقول بما لم يخلق ، وأشهد بما لم أر، وأصلي بلا وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء !!

فغضب عمر لذلك غضباً شديداً وهم أن يبطش به ثم تذكر صحبته من النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك فهو كذلك إذ مر به علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأى الغضب في وجهه ! فقال ما أغضبك يا أمير المؤمنين فقص عليه القصة :

فقال يا أمير المؤمنين لا يغضبك ذلك :

أما قوله : إنه يحب الفتنة : فهو تأويل قوله تعالى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) التغابن ” 15″

وأما قوله : يكره الحق : فالحق هو الموت الذي لا بد منه ولا محيص عنه

وأما قوله : يقول بما لم يخلق: القرآن فهو يقرأ القرآن وهو غير مخلوق

وأما قوله : يشهد بما لم ير: فإنه يصدق بالله ولم يره

وأما قوله : يصلي بغير وضوء : فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء

وأما قوله : إن له في الأرض ما ليس لله في السماء : فإن له زوجة وبنين وليس لله شيء من ذلك .

فقال عمر : لله درك يا أبا الحسن لقد كشفت عني هماً عظيماً .

المرجع :

بحر الدموع ، الإمام ابن الجوزي رحمه الله ، ط / دار ابن حزم ” ص 133 – 134 ” ،

الفصل الخامس والعشرون ، بتصرف .