اختر جلسائك

قال أحمد الروذباري : مجالسة الأضداد ذوبان الروح ، ومجالسة الأشكال تلقيح العقول ، وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة ، ولا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار ، ولا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط . انتهى .

المرجع :

من كتاب البداية والنهاية .

للمؤلف :

الإمام ابن كثير الدمشقي رحمه الله .

الجزء الحادي عشر .

فصل : أحمد بن عطاء بن أحمد .

طبعة : دار الأخيار ” ص 248 ” .

33. قطوف من السيرة المحمدية ” نهاية العهد المكي “

  بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

الإذن بالهجرة ، تطوير منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نبينا الكريم يغادر بيته ، الخيبة والفشل تحل على المحاصرين ، من الدار إلى الغار ، الحرب خدعة ، نبذة عن غار ثور ، إذ هما في الغار ، نهاية العهد المكي ، المراجع .

” التفاصيل “

الإذن بالهجرة :

لما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل إليه جبريل بوحي ربه تبارك وتعالى ، فأخبره بمؤامرة قريش ، وأن الله قد أذن له في الخروج ، وحدد له وقت الهجرة قائلا : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .

وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة إلى أبي بكر رضي الله عنه ؛ ليبرم معه مراحل الهجرة ، قالت عائشة رضي الله عنها : بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متقنعا ، في ساعة لم يكن يأتينا فيها ، فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .

قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ” أخرج من عندك ” . فقال أبو بكر : إنما هم أهلك ، بأبي أنت يا رسول الله . قال : ” فإني قد أذن  لي في الخروج ” ، فقال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعم ” .

تطويق منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أما أكابر مجرمي قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرمها برلمان مكة : ” دار الندوة ” صباحا . واختير لذلك أحد عشر رئيسا من هؤلاء الأكابر نذكر منهم : أبو جهل بن هشام ، الحكم بن العاص ، عقبة بن أبي معيط ، النضر بن الحارث ، أبو لهب … . قال ابن إسحاق : فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام ، فيثبون عليه . وكانوا على ثقة ويقين جازم من نجاح هذه المؤامرة الدنية . وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل ، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر ، ولكن الله غالب على أمره ، بيده ملكوت السماوات والأرض ، يفعل ما يشاء ، وهو يجير ولا يجار عليه ، فقد فعل ما خاطب به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد :  ”  وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ” ” سورة الأنفال : 30 ” .

نبينا الكريم يغادر بيته :

ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلا فاحشا . ففي هذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : ” نم على فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ” . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم ، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رؤوسهم ، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه ، وهو يتلو : ” وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم  فهم لا يبصرون ” ” سورة ياسين : 9 ” . فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ومضى إلى بيت أبي بكر ، فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن .

الخيبة والفشل تحل على المحاصرين  :

وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر ، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل ، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم ، ورآهم ببابه فقال : ما  تنتظرون ؟ قالوا : محمدا . قال خبتم وخسرتم ، قد والله مر بكم ، وذر على رؤوسكم التراب ، وانطلق لحاجته ، قالوا : والله ما أبصرناه ، وقاموا ينفضون التراب على رؤوسهم . ولكنهم تطلعوا من صير البال فرأوا عليا ، فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . وقام علي عن الفراش ، فسقط في أيديهم ، وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا علم لي به .

من الدار إلى الغار :

غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622 م . وأتى إلى دار رفيقه – وأمن الناس عليه في صحبته وماله – أبي بكر رضي الله عنه . ثم غادرا منزل الأخير من باب خلفي ،  ليخرجا من مكة على عجل ، وقبل أن يطلع الفجر .

الحرب خدعة :

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قريشا ستجد في الطلب ، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيس المتجه شمالا ، فقد سلك الطريق الذي يضاده تماما ، وهو الطريق الواقع جنوب مكة ، والمتجه نحو اليمن . سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال ، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور ، وهذا جبل شامخ ، وعر الطريق ، صعب المرتقى ، ذا أحجار كثيرة ، فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كي يخفي أثره فحفيت قدماه ، وأيا ما كان ؛ فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل ، وطفق يشتد به حتى انتهى به إلى غار في قمة الجبل ، عرف في التاريخ بغار ثور .

نبذة عن غار ثور :

غار ثور :  يقع في جبل ثور : وهو في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام على بعد نحو ( 4 ) كم ، وارتفاعه نحو ( 748 ) م من سطح البحر ، ونحو ( 458 ) م من سفح الجبل ، وهذا الغار صخرة مجوفة أشبه بسفينة  صغيرة ظهرها إلى الأعلى ، وأقصى ارتفاعه 1.25 م ، وأقصى طوله وعرضه (3.5 م × 3.5 م ) ، وله فتحتان فتحة في ناحية الغرب ، وهي التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يدخل منها الشخص زاحفا على بطنه ، ووسعت في بداية القرن التاسع الهجري ونهاية القرن الثالث عشر الهجري . وأقصى ارتفاعها متر واحد مع الدرج المنحوت بأسفلها ، وفتحة في الشرق ، وهي أوسع من الأول ، ويقال : إنها محدثة ليسهل على الناس الدخول إلى الغار والخروج منه ، وبين الفتحتين 3.50 م ، وهذا الغار دون القمة وصعب المرتقى ويستغرق الصعود إليه نحو ساعة ونصف .

إذ هما في الغار :

ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى هذا الغار حين قصدا الهجرة إلى المدينة دخل أبو بكر قبله فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، ويرجع بسحر فيصبح مع قريش بمكة ، ويأتيهما بخبرهم حين يختلط الظلام ، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يتبع بغنمه أثر عبد الله بعد ذهابه ليعفي عليه .  وقد ورد ذكر هذا الغار في قوله تعالى : ” إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها … ” سورة التوبة : 40 ” . وعن أبي بكر رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ، فرأيت آثار المشركين ، قلت : يا رسول لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا ، قال : ما ظنك باثنين الله ثالثهما . وبعد ثلاث ليال لما خمدت عنهما نار الطلب جاءهما الدليل عبد الله بن أريقط بالراحلتين  ، فارتحلا ، وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة ، وواصلوا سيرهم إلى المدينة المنورة .

نهاية العهد المكي :

إلى هنا ينتهي العهد المكي وبه ينتهي الجزء الأول من قطوف من السيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة  وأزكى التسليم فإن كان صوابا فمن الله وإن كان به خطأ أو زيادة أو نقص أو نسيان فمن نفسي والشيطان وارجو الله التوفيق والسداد .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 156 – 159 ) . طبعة : دار ابن حزم .

–        من كتاب تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا للمؤلف الدكتور / محمد إلياس عبد الغني حفظه الله – فصل : غار ثور ( ص 128 – 130 ) . مطابع الرشيد .

لا تكن مغفلا مثل الفيل

يتم تدريب الفيل الوليد عند ولادته على أن يتقيد بمساحة حركة صغيرة للغاية يقوم المدرب بربط ساق الفيل بحبل مربوط إلى وتد مغروس بعمق في الأرض ، وهذا من شأنه أن يحبس الفيل الصغير الذي سيحاول في البداية قطع الحبل ، ولكن الحبل سيكون أكثر قوة من أن يتمكن من ذلك ، لذا فإن الفيل الصغير يعلم أن لا يستطيع قطع الحبل ، ويعلم أن عليه البقاء دائما في المساحة التي يحددها طول الحبل . وعندما يكبر الفيل ويصبح عملاقا وزنه خمسة أطنان  فإنه يستطيع بكل سهولة قطع نفس الحبل ، لكنه لا يحاول لأنه يعلم عندما كان صغيرا أنه لا يستطيع قطع الحبل وبهذه الطريقة ، يمكن تقييد أكبر أفيال العالم بأقل الأحجام ضعفا .

الشاهد : ربما كان هذا يعبر عنك أنت أيضا ، فلعلك لا زلت محبوسا داخل منطقة يأس وإحباط بواسطة شيء في مثل ضعف وتفاهة الحبل الصغير الذي يسيطر على الفيل الكبير . انتهى .

المرجع :

من كتاب هكذا هزموا اليأس .

للمؤلفة :

سلوى العضيدان .

فصل :

لا تكن مغفلا مثل الفيل .

ط / فهرسة الملك فهد الوطنية ” ص 75 “

لا خير في لذة من بعدها النار

قال أبو سليمان الداراني : من صفا صفا له ، ومن كدر كدر عليه ، ومن أحسن في ليله كٌفىَ في نهاره ، ومن أحسن في نهاره  كٌفىَ في ليله ، ومن ترك لله شهوة من قلبه فالله أكرم أن يعذّب بها قلبه . وكتبت عائشة أم المؤمنين رضي عنها وعن أبيها إلى معاوية رضي الله عنه : أما بعد فإن العامل إذا عمل بمعصية  الله عاد حامده من الناس ذاما .

وكان سفيان الثوري رحمه الله يتمثل بهذين البيتين :

تفنى اللذاذة ممن ذاق صفوتها  من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها  لا خير في لذة من بعدها النار .

انتهى .

المرجع  :

من كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين .

للمؤلف  :

الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله .

الباب السادس والعشرون .

ط / دار الكتب العلمية  ” ص 310  “

32. قطوف من السيرة المحمدية ” أحداث وقعت قبيل الهجرة “

                        بسم الله الرحمن الرحيم

قطوف من السيرة المحمدية

على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم

 ” العناوين “

في دار الندوة ” برلمان قريش ” ، ما مكانة المدينة بالنسبة لقريش آنذاك ، أخطر اجتماع عقد ضد نبينا الكريم ،  النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فائدة عن أقسام الناس في حربهم مع الشيطان عليه لعنة الله ، المراجع .

” التفاصيل “

في دار الندوة ” برلمان قريش ” :

لما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا ، وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج ، وقعت فيهم ضجة أثارت القلاقل والأحزان وأخذ القلق يساورهم بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد تجسد أمامهم الخطر الحقيقي العظيم ، الذي يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي ، فقد كانوا يعلمون ما في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم من غاية قوة التأثير مع كمال القيادة والإرشاد ، وما في أصحابه من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله ، ثم ما في قبائل الأوس والخزرج من قوة ومنعة ، وما في عقلاء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصلاح والتداعي إلى نبذ الأحقاد فيما بينهما ، بعد أن ذاقوا مرارة الحروب الأهلية طيلة أعوام من الدهر .

ما مكانة المدينة بالنسبة لقريش آنذاك :

كما كانوا يعرفون ما للمدينة من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى المحجة التجارية التي تمر بساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام ، وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنوياً ، سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها ، ومعلوم أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق . فلا يخفى ما كان لقريش من الخطر البالغ في تمركز الدعوة الإسلامية في يثرب ومجابهة أهلها ضدهم . شعر المشركون بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم ، فصاروا يبحثون عن أنجع السوائل لدفع هذا الخطر ، الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم .

أخطر اجتماع عقد ضد نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم :

وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12 من شهر سبتمبر سنة 662 م أي بعد شهرين ونصف تقريباً من بيعة العقبة الكبرى عقد برلمان مكة ( دار الندوة ) في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية ، ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعاً على حامل لواء الدعوة الإسلامية ، وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائياً . ونذكر بعض الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش :

أبو جهل عمرو بن هشام ، جبير بن مطعم ، شيبة وعتبة ابنا الربيعة ، أبو سفيان بن حرب ، النضر بن الحارث ، أبو البختري بن هشام ، زمعة بن الأسود ، أمية بن خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وغيرهم .

ولما جاؤوا إلى دار الندوة حسب الميعاد اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بت له ، ووقف على الباب ، فقالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي تواعدتم له ، فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يعدمكم منه رأياً ونصحاً ، قالوا : أجل ، فادخل ، فدخل معهم .

النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم :

وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول ، ودار النقاش طويلاً ،

قال أبو الأسود : نخرجه من بين أطهرنا وننفيه من بلادنا ، ولا نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع ، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .

قال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم ، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، ثم يسير بهم إليكم – بعد أن يتابعوه – حتى يطأكم بهم في بلادكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، دبروا فيه رأياً غير هذا .

قال أبو البختري : احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه باباً ، ثم تربصوا  به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله – زهيراً والنابغة – ومن مضى منهم من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم .

قال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، والله لئن حبستموه – كما تقولون – ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فينزعوه من أيدكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره . وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه تقدم به كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام .

 قال أبو جهل : والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ، قالوا : وما هو يا أبا الحكم . قال : أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً وسيطاً فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارماً ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ، فرضوا منا بالعقل ، فعقلناه لهم .

قال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا أرى غيره ، ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع ، ورجع النواب إلى بيوتهم ، وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فوراً .

فائدة عن أقسام الناس في حربهم مع الشيطان عليه لعنة الله :

ينقسم الناس في حربهم مع الشيطان إلى ثلاثة أقسام وهي كالتالي :

1. الأسير :

فهذا القسم عياذا بالله ، الشيطان لا يتعب معه كثيرا لأنه مسرف على نفسه بالمعاصي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أتاها فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكر المهم لديه أن يشبع شهوته بأي شكل كان وبأي ثمن . والشيطان دوره معه أن يزين له المعاصي فقط .

2. المحارب :

وهذا القسم في حرب ضروس مع الشيطان يجاهد نفسه على الطاعات وترك المنكرات يؤنب نفسه على التقصير والحرب بينهما سجال تارة له وتارة عليه .

3. الطاغوت :

وهذا القسم شأنه غريب وأمره عجيب فهو طاغوت في مسلاخ بشر فمن كثرت طغيانه وعصيانه وجبروته عياذا بالله جعل الشيطان تابعا له أسيرا لرأيه وفكره . ولتوضيح صورة هذا القسم نضرب مثالا لذلك .

كما قرأنا قبل قليل في قصة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم تشاوروا في الكيفية التي تنفذ بها العملية وكان معهم الشيطان ” في صورة الشيخ النجدي ” وكلما يأتي أحدهم برأي لا يقبل فجاء الطاغوت أبو جهل لعنه الله بفكرة أيده بها الجميع وما ملك الشيطان إلا أن يتبعه .

–        انتهى –

                                   فاللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ” عليه الصلاة والسلام “

المراجع :

–        من كتاب الرحيق المختوم للمؤلف الشيخ / صفي الدين المباركفوري رحمه الله – فصل : في دار الندوة ” برلمان قريش ”  ( ص 153 – 155 ) . طبعة : دار ابن حزم .