عن رامي الدعيس

قاريء للقرآن الكريم من مكة المكرمة

نبذة عن مسجد التنعيم أو مسجد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها

 

يقع على بعد 7.5 كم عن المسجد الحرام شمالا على طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة وهو أقرب موضع لحد الحرم بني في المكان الذي أحرمت منه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالعمرة في حجة الوداع سنة 9 للهجرة ، كما روي عن جابر رضي الله أن عائشة رضي الله عنها حاضة فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت قال فلما طهرت طافت قالت يا رسول الله * صلى الله عليه وسلم * أتنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بالحج ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .

وقال ابن جريج : رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة رضي الله عنها قال : وأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن علي الشافعي المسجد .

وأعيد بناء مسجد عائشة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله على مساحة ( 84.000 متر مربع ) تشمل المرافق التابعة له بتكلفة ( 100 مليون ريال ) ، أما مساحة المسجد فهي ( 6.000 متر مربع ) ويستوعب نحو (15.000 مصل ). انتهى.

المرجع :

تاريخ مكة المكرمة قديما وحديثا ، د / محمد إلياس عبد الغني حفظه الله ، ط / فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية ” 17 ، 18 ” ، فصل : حدود الحرم ، بتصرف.

فضلا هل لديك حاسب من نوعية ديل ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

” العظيم لا ينتهز الفرصة ، بل يخلقها ” – كولتون –

مايكل ديل ( 1965 – …. ) :

من أفكار صغيرة .. بنى الشاب الصغير .. إمبراطوريته الكبيرة .

كيف أصبح ديل أصغر مليارديرات العالم ؟ وكيف أصبح أصغر المسؤولين التنفيذيين الرئيسين سناً في قائمة أثرى 500 شخص في العالم ؟ كيف استطاع هذا الشاب أن يحقق حلمه الكبير في مدة قصيرة ؟

لمعرفة ذلك … لنبدأ …. مع ديل :

ولد مايكل ديل في هيوستن وذلك في فبراير / شباط عام 1965 م وكان ثاني الأبناء الثلاثة لوالد يعمل في عيادة لتقويم الأسنان ووالدة تعمل سمسارة في سوق الأوراق المالية .

اهتم ديل منذ صغره بالحواسيب وطرق عملها إذ إنه كان في الخامسة عشرة من عمره عندما اشترى حاسوبه الأول من طراز أبل II ، ثم قام بتفكيكه ليرى كيف يعمل .

وقام بعد سنتين بالتغيب عن مدرسته لمدة أسبوع لكي يحضر مؤتمراً يتحدث عن الحواسيب .

التحق ديل بجامعة تكساس وبدأ بيع حواسيب ومكوناتها في عنبر طلاب السنة الأولى إلا أنه انتقل لإحدى الشقق المملوكة بحلول نهاية العام الدراسي .

كان طموح ديل يتجاوز الجامعة إذ لم يستطع الانتظار حتى يتخرج لكي يؤسس شركته الخاصة حيث قام عام 1984 م بالتوقف عن الدراسة في الجامعة وأسس شركة ” ديل كومبيوتر ” برأس مال لم يتجاوز الألف دولار فقط وكانت شركته تبيع الحواسيب إلى الزبائن مباشرة متجاوزة بذلك الوسطاء وهي فكرة لم يسبق لها مثيل .

وبعد عامين فقط عرض في معرض كومديكس حاسوباً سرعته 12 ميغاهيرتز ويبلغ ثمنه 995 ، 1 دولاراً مقارنة بحاسوب آي بي أم ذي سرعة 6 ميغاهيرتز والذي يبلغ سعره 995 ،3 دولار وفي عام 1988 م أي بعد أربع سنوات فقط من تأسيس الشركة بدأ ديل يتعامل مع زبائن كبار بمن فيهم الشركات الحكومية . وتمكن من جمع 30 مليون دولار بعد أن عرض شركته للاكتتاب الدولي العام .

وتعد شركة ديل ومقرها الرئيس شارع راوند روك بولاية تكساس المزود الرئيس للعديد من منتجات وخدمات الحاسب والشركة الأولى على مستوى العالم التي تمد عملاءها بالمنتجات والخدمات الأساسية لإنشاء البنية التحتية للإنترنت وتكنولوجيا المعلومات بما فيها الشركات الموضوعة على قائمة مجلة فورتشن كأفضل 500 شركة . ويعزى وصول شركة ديل للريادة في السوق إلى سعيها الدؤوب نحو تقديم الأفضل للعملاء وذلك من خلال بيع المنتجات وتوفير خدمات ذات مستوى ثابت .

وبإضافة ديل إلى قائمة هذه الشركات في عام 1992 أصبح السيد (( ديل )) أصغر مدير تنفيذي لشركة يحتل مكانة في قائمة أفضل 500 شركة بمجلة فورتشن وكان حينها في السابعة والعشرين من عمره وهو الآن المدير التنفيذي صاحب أطول فترة للرئاسة في مجال الحاسوب . وتحتل الشركة حالياً المرتبة الرابعة في قائمة أفضل الشركات لمجلة فورتشن على مستوى العالم وفي الولايات المتحدة . وفي عام 2003 تم اختيارها من بين أكثر 10 شركات تحظى بسمعة طيبة وثقة كبيرة لدى العملاء وذلك حسب اقتراع أجرته صحيفة وول ستريت .

وقد تم تكريم السيد ديل عدة مرات لقيادته المثالية والرائعة ففي عام 2003 اختارته الـ” فورتشن ” كواحد من أكثر الناس تأثيراً في عالم الأعمال واختارته الـ” فينانشال تايمز ” كرابع أفضل قائد على مستوى العالم وأكثرهم احتراماً كما اختارته مجلة (( إنستتيوشنال إنفزيتور )) كأفضل مدير تنفيذي في مجال أجهزة ومعدات الكمبيوتر . وفي عام 2001 اختارته مجلة (( تشيف إكزيكيوتف )) كأفضل مدير تنفيذي للعام ذاته .

وقد درس ديل في جامعة تكساس بولاية أوستن . وفي 1999 ألف كتاباً حقق أعلى المبيعات وهو (( مباشرة من ديل : الاستراتيجيات التي أحدثت طفرة في صناعة ما )) . وفيه يحكي قصة نشأة شركته والاستراتيجيات التي ابتكرها وتنطبق على جميع الشركات . وديل هو مسؤول الإنترنت في المنتدى الاقتصادي العالمي . ويعمل باللجنة التنفيذية للجنة الأعمال العالمية وعضو بمجلس الأعمال الأمريكي . كما يشغل ديل أيضاً منصب رئيس مشروع سياسة أنظمة الكمبيوتر ويعمل بمجلس المستشارين للرئيس الأمريكي للعلوم والتقنية وبمجلس إدارة كلية الأعمال الهندية . وفي عام 1987 أصبحت ديل أول شركة لأنظمة الحاسب تقدم خدمة المنتجات على مواقع الإنترنت وبدأ التوسع الدولي بافتتاح فرع للشركة في المملكة المتحدة . وقدمت ديل التقنية الحديثة أسرع من الشركات الأخرى التي كانت تخطط ببطء وتقوم بالتوزيع من خلال قنوات غير مباشرة .

وفي عام 1990 افتتحت الشركة مركزا للتصنيع في ليمرك بأيرلندا لخدمة الأسواق الأوروبية والشرق أوسطية والإفريقية . وطرحت الشركة أول كمبيوتر دفتري لها في عام 1991 ، وفي عام 1992 تم تضمين شركة ديل لأول مرة في مجلة (( فورتشن )) كواحدة من أكبر خمس مئة شركة في العالم . وفي 1993 انضمت الشركة إلى قائمة أفضل خمس شركات في مجال تصنيع الحاسوب على مستوى العالم ، وكانت بداية الشركة في غزو منطقة الباسيفيك وآسيا عن طريق إنشاء فروع لها في أستراليا واليابان . إلا أن ديل أعلن عن خسارة في الربع الأول من سنة 1993 لتحوله عن صناعة حواسيب المفكرة وأسواق البيع بالتجزئة وعمليات إعادة الهيكلة في أوروبا . ونتيجة لذلك ألغى عملية الاكتتاب العام الثاني .

وفي 1995 ارتفعت أسهم الشركة من 5،8 إلى 100 دولار وافتتحت ديل في عام 1996 مركز تصنيع لدول الباسيفيك وآسيا في بينانج بماليزيا . وبدأ العملاء شراء أجهزة الحاسب الخاصة بشركة ديل عن طريق الإنترنت بالموقع www.dell.com

وبدأت الشركة في تحقيق تقدم مطّرد وملموس في سوق مزودي الشبكات .

وفي عام 1997 قامت الشركة بشحن 10 ملايين جهاز كمبيوتر إلى جميع أرجاء المعمورة ووصلت قيمة السهم الواحد للشركة في إحدى الفترات إلى 1000 دولار . كما أدخلت الشركة أول أنظمة لمحطات التشغيل الخاصة بها .

وفي عام 1998 قامت الشركة بتوسيع مراكز التصنيع في أمريكا وأوروبا وافتتحت مركزا للمنتجات والعملاء في زيامن بالصين . وافتتحت الشركة ثاني أكبر موقع أمريكي في مدينة ناشفيلي في 1999 كما افتتحت الشركة مركزاً للتصنيع في إيلدورادو دو سول بالبرازيل لخدمة أمريكا اللاتينية . كما أدخلت الشركة الدعم الفني المباشر (( الدعم الإلكتروني مباشرة من ديل )) . وفي عام 2000 وصلت مبيعات الشركة عن طريق الإنترنت إلى 50 مليون دولار يومياً .

ولأول مرة أصبحت الشركة رقم واحد في مجال شاحنات محطة العمل . وقامت الشركة بإنتاج ملقم جهاز بورآب PowerApp وشحن مليون مزود بورإيدج Power Edge وفي نفس العام عانت التقنية التي ينتجها من عيب أدى إلى هبوط حاد في سعر أسهم الشركة من مستوى 58 دولاراً في شهر مارس إلى مستوى 16 في ديسمبر .

وفي عام 2001 احتلت الشركة لأول مرة المرتبة الأولى في سوق الأسهم العالمية إلا أن التباطؤ في مبيعات الحواسيب الشخصية دفع الشركة لتسريح 1700 موظف يشكلون 4 ،5 % من قوتها العاملة على الصعيد العالمي . وفي عام 2002 أطلقت ديل على مركز تصنيع أوستن اسم مركز تصنيع توبفر وقامت الشركة بشحن 2 مليون منفذ في خط باور كونكت Power Connect الخاص بمفاتيح الشبكة واختار العملاء الأمريكيون ديل على أنها المزود رقم واحد لأنظمة الحاسوب .

وفي عام 2003 قامت الشركة بإنتاج الطابعات للشركات والعملاء ثم تغير اسم الشركة وأصبح اسمها ديل وشركاه مما يعكس انتقال الشركة إلى العمل في مجالات إلكترونية أخرى بما في ذلك الطابعات والأجهزة التلفزيونية ، بعد سنوات عديدة من التباطؤ الذي شهدته صناعة الحواسيب الشخصية . واليوم تشغل ديل واحدا من أكبر المواقع التجارية على الإنترنت في العالم والتي تعتمد على نظام التشغيل ويندوز التاسع لشركة مايكروسوفت . ويتلقى موقع شبكة الشركة الذي يعمل من خلال مزود ديل باور إيدج أكثر من مليار طلب كل ثلاثة أشهر من مواقع تخص 80 دولة بـ 28 لغة و26 عملة .

وتدرك الشركة تماماً فاعلية الإنترنت في أعمالها بما في ذلك عمليات الشراء ودعم العملاء وإدارة العلاقات . ومن خلال موقع الشركة يستطيع العملاء مراجعة الأجهزة وتحديد مواصفاتها وأسعارها من خلال خط إنتاج الشركة بالكامل . ويمكن للعملاء طلب الأجهزة مباشرة من خلال الإنترنت ومتابعة خط سير الطلب من التصنيع إلى الشحن . وتقوم ديل من خلال موقعها valuechain.dell.com بتبادل المعلومات مع عملائها فيما يخص جودة الإنتاج وإبداعيته كما تستخدم الشركة الإنترنت أيضاً في تقديم خدمات العملاء الخاصة بالتصنيع فعلى سبيل المثال يستخدم مئات الآلاف من عملاء الشركات في أنحاء العالم صفحة شبكة ديل لعقد صفقات مع الشركة عن طريق الإنترنت .

ويرجع عائد ديل المرتفع لحاملي الأسهم إلى جهد حثيث عبر الزمن لتحقيق الموازنة بين النمو والربحية والسيولة وكانت ديل دوماً رائدة المنافسين في كل من تلك الاتجاهات .

وفي عام 2004 تخلى ديل عن منصب المسؤول التنفيذي الرئيس لصالح كيفن رولينز لكنه ظل محتفظاً بمنصب الرئيس .

وديل اليوم هي المزود الرئيس للمنتجات والخدمات لأكبر المؤسسات في العالم ويعمل بالشركة زهاء 54،800 موظف من أعضاء الفريق يغطون أرجاء المعمورة .

حقائق عن مايكل ديل :

– تبلغ ثروته حوالي 18 مليار دولار .

– من بين 691 ملياردير حول العالم كان هناك ما يقارب عشرون شخصاً تقل أعمارهم عن 40 سنة وكان ديل أثرى هؤلاء الأربعين .

المرجع :

عظماء بلا مدارس ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / مكتبة العبيكان ” 55 – 61 ” ، فصل : مايكل ديل ، بتصرف.

ما ورد في فضل شهر رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

ما ورد في فضل شهر رمضان المعظم

وفيه مجالس :

المجلس الأول :

في فضل الصيام :

ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )) (1) وفي رواية (( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي )) وفي رواية للبخاري (( لكل عمل كفارة والصوم لي وأنا أجزي به )) وخرجه الإمام أحمد من هذا الوجه ولفظه (( كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم والصوم لي وأنا أجزي به )) (2) .

ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال (( الصوم نصف الصبر )) (4) خرجه الترمذي .

(1)               حديث صحيح من رواية الشيخين في كتابي الصوم من صحيحيهما .

(2)               أخرجه الترمذي في سننه (3519) عن جرى النهدي عن رجل من بني سليم قال : عدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدى : (( التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر والطهور نصف الإيمان )) وحسنه .

أنواع الصبر :

ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله وصبر على محارم الله وصبر على أقدار الله المؤلمة .

وتجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبراً على طاعة الله وصبرا عما حرم الله على الصائم من الشهوات وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن وهذا الألم الناشئ من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) (1) .

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عمرة في رمضان تعدل بحجة )) (3) أو قال : (( حجة معي )) .

(1)               حديث صحيح مروى في الصحيحين .

معنى قوله : الصوم لي :

وأما قوله : (( فإنه لي )) فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال وقد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء والصوفية وغيرهم وذكروا فيه وجوهاً كثيرة ومن أحسن ما ذكر فيه وجهان :

أحدهما : أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها

الأصلية التي جُبلت على الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام لأن الإحرام إنما يترك فيه الجماع ودواعيه من الطيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلى فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول فلا يجد المصلى فقد الطعام والشراب في صلاته بل قد نهى أن يصلي ونفسه تتوق إلى الطعام بحضرته حتى يتناول منه ما يسكن نفسه ولهذا أمر بتقديم العشاء على الصلاة .

الوجه الثاني : أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله وترك لتناول الشهوات التي يُستخفى بتناولها في العادة ولذلك قيل : لا تكتبه الحفظة وقيل : إنه ليس فيه رياء كذا قاله الإمام أحمد وغيره وفيه حديث مرفوع مرسل وهذا الوجه اختيار أبي عبيد وغيره وقد يرجع إلى الأول فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز وجل حيث لا يطلع عليه غير من أمره أو نهاه دل على صحة إيمانه والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرّا بينهم وبينه وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه حتى كان بعضهم يرد لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة وقال بعضهم لما اطلع على بعض سرائره : إنما كانت تطيب الحياة لما كانت المعاملة بيني وبينه سرا ثم دعا لنفسه بالموت فمات .

فوائد التقرب إلى الله بترك الشهوات :

وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد :

منها : كسر النفس فإن الشبع والرى ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة .

ومنها : تخلى القلب للفكر والذكر فإن تناول هذه الشهوات قد تقسى القلب وتعميه وتحول بين العبد وبين الذكر والفكر وتستدعى الغفلة وخلو البطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر وللفكر .

ومنها : أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح فإن بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من مُنع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك .

ومنها : أن الصيام يضيق مجارى الدم التي هي مجارى الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر سورة الشهوة والغضب ولهذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم وجاء لقطعه عن شهوة النكاح .

تفسير فرحة الصائم :

وقوله صلى الله عليه وسلم (( للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه )) أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه فإن النفوس تفرح بذلك طبعا فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا والصائم عند فطره كذلك فكما أن الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات فقد أذن له فيها في ليل الصيام بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره فأحبُّ عباده إليه أعجلهم فطرا والله وملائكته يصلون على المتسحرين .

الصائمون على طبقتين :

الصائمون على طبقتين : إحداهما : من ترك طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة فهذا قد تاجر مع الله وعامله والله تعالى لا يضيع اجر من أحسن عملا ولا يخيب معه من عامله بل يربح عليه أعظم الربح . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل : (( إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله إلا أتاك الله خيرا منه )) (6) خرجه الإمام أحمد .

(6) أخرجه أحمد ( 5 / 79 ) .

الطبقة الثانية من الصائمين :

من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ البطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحه برؤيته .

معنى قوله لخلوف فم الصائم أطيب :

وقوله (( ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )) خلوف الفم رائحة ما يتصاعد منه من الابخرة لخلو المعدة من الطعام بالصيام وهي رائحة مستكرهة في مشَام الناس في الدنيا لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته وابتغاء مرضاته .

خلوف أفواه الصائمين له أطيب من ريح المسك .

عرى المحرمين لزيارة بيته أجمل من لباس الحلل .

نوح المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضل من التسبيح .

انكسار المخبتين لعظمته هو الجبر .

ذل الخائفين من سطوته هو العز .

بذل النفوس للقتل في سبيله هو الحياة .

جوع الصائمين لأجله هو الشبع .

عطشهم في طلب مراضاته هو الرى .

لما سُلْسل الشيطان في شهر رمضان وخمدت نيران الشهوات بالصيام انعزل سلطان الهوى وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل فلم يبقل للعاصي عذر .

يا شموس التقوى والإيمان اطلعي .

يا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي .

يا قلوب الصائمين اخشعي .

يا إقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي ، يا عيون المجتهدين لا تهجعي ، يا ذنوب التائبين لا ترجعي ، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي ، يا بروق العشاق للعشاق المعي ، يا خواطر العارفين ارتعي ، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي ، يا جنيد اطرب ، يا شبلى احضر ، يا رابعة اسمعي ، قد مدت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوام فما منكم إلا من دعى (( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ )) (1) ويا همم المؤمنين أسرعي فطوبى لمن أجاب فأصاب وويل لمن طرد عن الباب وما دعى .

 

ليت شعري إن جئتهم يقبلوني

أن تراهم عن بابهم يصرفوني ؟

أم تراني إذا وقفت لديهم

يأذنوا بالدخول أم يطردونـــي ؟

المجلس الثاني :

في فضل الجود في رمضان وتلاوة القرآن

كثرة جود النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان :

في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة )) (1) وخرجه الإمام أحمد بزيادة في آخره وهي : لا يسأل عن شئ إلا أعطاه .

الجود هو سعة العطاء وكثرته والله تعالى يوصف بالجود وفي الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله جواد يحب الجود كريم يحب الكرم )) (2) .

(1)     حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه ( 2 . 19 ) ومسلم في صحيحه ( 8 . 23 ) وكلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

(2)     حديث إسناده ضعيف أخرجه الترمذي ( 2799 ) من طريق خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسان عن سعيد بن المسيب يقول : (( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود . . . )) فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار فقال : حدثنيه عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يُضَعَّف .

قلت : خالد بن إلياس متروك الحديث .

وفي الأثر المشهور عن فضيل بن عياض : إن الله تعالى يقول كل ليلة : أنا الجواد ومني الجود أنا الكريم ومني الكرم فالله سبحانه وتعالى أجود الأجودين وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان وفيه أنزل قوله : (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) وفي الحديث الذي خرجه الترمذي وغيره أنه ينادي فيه مناد : (( يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر )) .

وفي الصحيحين عن أنس : قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس )) (1) .

(1)                حديث صحيح عزاه الألباني في صحيح الجامع الصغير ( 4510 ) للشيخين في صحيحيهما وللترمذي وابن ماجه في سننيهما من حديث أنس رضي الله عنه وانظر صحيح البخاري ( 2820 ) .

وخرج البخاري من حديث سهل بن سعد : أن شملة أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم فلبسها وهو محتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه فلامه الناس وقالوا : كان محتاجا إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال : إنما سألتها لتكون كفني فكانت كفنه .

كان خلقه القرآن :

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب له خلقاً بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه ويمتنع مما زجر عنه فلهذا كان يتضاعف جوده وأفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقا من المخالطة كان بعض الشعراء قد امتدح ملكا جوادا فأعطاه جائزة سنية فخرج بها من عنده وفرقها كلها على الناس ،  فأنشد :

لمست بكفي كفه أبتغي الغنى

ولم أدر أن الجود من كفه يعدى

فوائد جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان :

وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة :

منها : شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه وفي الترمذي عن أنس مرفوعا : (( أفضل الصدقة صدقة في رمضان )) .

ومنها : إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم كما أن من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله فقد غزا .

ومنها : أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ولا سيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال صلى الله عليه وسلم (( إنما يرحم الله من عباده الرحماء )) .

ومنها : أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها وخصوصا إن ضمَّ إلى ذلك قيام الليل فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الصيام جُنة )) وفي رواية (( جُنَّة أحدكم من النار كجنته من القتال )) .

ومنها : أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه .

استحباب مدارسة القرآن في رمضان :

ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك وعرض القرآن على من هو أحفظ له .

وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان وفي حديث فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها : أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتين .

نزول الكتب السماوية في رمضان :

وفي المسند عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضيت من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان )) .

جهادان في رمضان :

واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه . جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما وُفى أجره بغير حساب قال كعب : ينادى يوم القيامة مناد إن كل حارث يُعطى بحرثه ويُزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل كما في المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أى رب منعته الطعام والشراب بالنهار ، يقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان )) فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ويقول : يا رب منعته شهواته فشفعني فيه فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته فأما من ضيَّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يُضرَبَ به وجهُ صاحبه ويقول له : ضيعك الله كما ضيعتني ، كما ورد مثل ذلك في الصلاة ، قال بعض السلف : إذا احتُضِر المؤمن يقال للملك شم رأسه قال : أجد في رأسه القرآن فيقال : شم قلبه فيقول : أجد في قلبه الصيام فيقال شم قدميه فيقول : أجد في قدميه القيام فيقال : حفظ نفسه حفظه الله تعالى .

خصومة القرآن لهاجره :

فأما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار فإنه ينتصب للقرآن خصما له بحقوقه التي ضيعها .

وخرج الإمام أحمد من حديث سمُرة : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه رجلا مستلقيا على قفاه ورجل قائم بيده فهرا وصخرة فيشدخ به رأسه فيتدهده الحجر فإذا ذهب ليأخذه عاد  رأسه كما كان فيصنع به مثل ذلك فسأل عنه فقيل له : هذا رجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة )) وقد خرجه البخاري بغير هذا اللفظ .

المجلس الثالث :

في ذكر العشر الأوسط من شهر رمضان وذكر نصف الشهر الأخير

ليلة القدر ومتى هي ؟

في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه قال : (( من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين في صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر )) (1) .

فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش (2) فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين ، هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان لابتغاء ليلة القدر وهذا السياق يقتضي أن تكرر منه .

وروى أن عمر جمع جماعة من الصحابة فسألهم عن ليلة القدر فقال بعضهم : كنا نراها في العشر الأوسط ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر .

(1) انظر الصحيحين في فضل ليلة القدر .

(2) على عريش : هو سقف المسجد .

 

وخرج ابن أبي عاصم في كتاب الصيام وغيره من حديث خالد بن محدوج عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( التمسوها في أول ليلة أو في تسع أو في أربع عشرة )) . أما الأول فخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن أنيس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال : (( رأيتها ونسيتها فتحرها في النصف الأواخر )) ثم عاد فسأله فقال : (( التمسها في ليلة ثلاث وعشرين تمضي من الشهر )).

وقيل : إن الصحيح وقفه على ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال : (( تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة صباحية بدر أو إحدى وعشرين وفي رواية عنه قال : ليلة سبع عشرة فإن لم يكن ففي تسع عشرة )) .

شهر الغفران :

وفي شهر رمضان يلطف الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيغل فيه الشياطين ومردة والجن حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه في غيره من تسويل الذنوب ولهذا تقل المعاصي في شهر رمضان في الأمة لذلك ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين )) (1) ولمسلم : (( فتحت أبواب الرحمة )) وله أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين )) وخرَّج منه البخاري ذكر فتح أبواب الجنة .

وفي رواية للنسائي وتُغل فيه مردة الشياطين وللإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطه أمة قبلهم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر قال : لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله )) (3) .

(1) أخرجه البخاري في صحيحه ( 1899 ) ومسلم في صحيحه ( الصيام / 2 ) بلفظ (( أبواب الرحمة )) .

(3) أخرجه احمد ( 4 . 79 ) عن أبي هريرة وإسناده ضعيف لضعف هشام ضعفه البخاري وقال أبو حاتم : منكر الحديث وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث .

 

وفي صحيح ابن حبان عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( في ليلة القدر لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها )) .

وفي المسند من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( في ليلة القدر لا يحل لكوكب أن يرمى به حتى يصبح وإن أمارتها أن الشمس تخرج صبيحتها مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ، لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ )) وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر وذلك أنها تطلع لا شعاع لها .

وقال مجاهد في قوله تعالى : (( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )) قال : سلام أن يحدث فيها داء أو يستطيع شيطانٌ العمل فيها وعنه قال : ليلة القدر ليلة سالمة لا يحدث فيها داء ولا يرسل فيها شيطان وعنه قال : هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا يحدث فيها أذى .

المجلس الرابع :

في ذكر العشر الأواخر من رمضان

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله )) .

هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم : (( أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره )) .

وفي رواية لمسلم عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره )) كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر :

فمنها : إحياء الليل فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله وقد روى من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ وأحيا الليل كله .

وفي المسند من وجه آخر عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر يعني الأخير شمر وشد المئزر .

ونقل بعض أصحابهم عن ابن عباس أن إحياءها يحصل بأن يصلى العشاء في جماعة ويعزم على أن يصلى الصبح في جماعة .

وكذا قال الشافعي في القديم : من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها .

ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد المئزر واختلفوا في تفسيره فمنهم من قال : هو كناية عن شدة جدِّه واجتهاده في العبادة .

ومنها : تأخيره للفطور إلى السحر روى عنه من حديث عائشة وأنس أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحوراً ولفظ حديث عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحوراً أخرجه ابن أبي عاصم وإسناده مقارب وحديث أنس خرجه الطبراني ولفظه : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء وجعل عشاءه سحوراً )) وفي إسناده حفص بن واقد ، قال ابن عدى : هذا الحديث من أنكر ما رأيت له .

مشروعية التزين في المناسبات :

وقال ابن جرير : كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان ، وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزار أو رداء فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل .

الاعتكاف :

ومنها : الاعتكاف ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى .

وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية وإنما يكون في المساجد لئلا يترك به الجمع والجماعات فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعة منهىُّ عنها ، سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعات قال : (( هو في النار )) .

معنى الاعتكاف وحقيقته :

فمعنى الاعتكاف وحقيقته قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال مكان بعضهم لا يزال منفردا في بيته خاليا بربه فقيل له : أما تستوحش ؟ قال : كيف أستوحش وهو يقول : (( أنا جليس من ذكرني )) .

الحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة :

واختلف في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة أن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينوا دارهم بالفرش والبسط ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان ومساجدهم بالقناديل والمصابيح فيقول الرب تعالى أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم (( أَتَجْعَلُ فِيْهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا )) الآية ، فقلت لكم (( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ )) اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين .

قال مالك : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر .

إخواني المعول على القبول لا على الاجتهاد ، والاعتبار بر القلوب لا بعمل الأبدان ، رب قائم حظه من قيامه السهر ، كم من قائم محروم وكم من نائم مرحوم ! هذا نام وقلبه ذاكر وهذا قام وقلبه فاجر ! ! .

إن المقادير إذا ساعدت

ألحقت النائم بالقائم

لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات ، والاجتهاد في الأعمال الصالحات .

المجلس الخامس :

في ذكر السبع الأواخر من رمضان

في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجلا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أرى رؤياكم كم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر )) (1) وفي صحيح مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي )) (2) .

(1) أخرجه البخاري في صحيحه ( 2015 ) ومسلم ( 1165 ) .

(2) أخرجه مسلم في صحيحه ( الصيام / 209 ) عن ابن عمر أيضا .

 

وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيباً وليلة أربع وعشرين ويقول : ليلة ثلاث وعشرين ليلة أهل المدينة وليلة أربع وعشرين ليلتنا يعني أهل البصرة وكذلك كان ثابت وحُميد يفعلان ، وكانت طائفة تجتهد ليلة أربع وعشرين رُوِىَ عن أنس والحسن وروى عنه قال : رقبت الشمس عشرين سنة ليلة أربع وعشرين فكانت تطلع لا شعاع لها .

وقد تقدم من حديث أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان ليلة أربع وعشرين لم يذق غمضا ، وإسناده ضعيف .

قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة )) وقد خرجه البخاري من حديث عبادة رضي الله عنه .

الاختلاف في ليلة القدر :

وقد اختلف الناس في ليلة القدر اختلافاً كثيراً فحكى عن بعضهم أنها رفعت وحديث أبي ذر يرد ذلك وروى عن محمد ابن الحنفية أنها في كل سبع سنين مرة وفي إسناده ضعيف .

وعن بعضهم أنها في كل السنة ، حكى عن ابن مسعود وطائفة من الكوفيين وروى عن أبي حنيفة . وقال الجمهور هي في رمضان كل سنة ثم منهم من قال : هي في الشهر كله وحكى عن بعض المتقدمين أنها أول ليلة منه وقالت طائفة : هي في النصف الثاني منه وقد حكى عن أبي يوسف ومحمد . وقد تقدم قول من قال : إنها ليلة بدر على اختلافهم هي ليلة سبع وعشرين أو تسع وعشرين .

أرجى ليالي في ذلك :

واختلفوا في أرجى لياليه كما سبق واستدل من رجح ليلة سبع وعشرين بأن أبي بن كعب كان يحلف على ذلك ويقول بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها وخرجه مسلم .

وخرجه أيضا بلفظ آخر عن أبى بن كعب رضي الله عنه قال : والله إني لأعلم أي ليلة هي وهي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها وهي ليلة سبع وعشرين وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال : يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق على القيام فمرني بليلة يوفقني الله فيها لليلة القدر قال : (( عليك بالسابعة )) وإسناده على شرط البخارى .

ورواه عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني أرى رؤياكم قد تواطأت أنها ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة )) قال معمر : فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ، يشير إلى أنه حملها على سابعة تبقى .

وقد روى من وجوه متعددة فروى عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا أنها في العشر الأواخر ، قال ابن عباس : فقلت لعمر رضي الله عنه : إني لأعلم أو إني لأظن أي ليلة هي قال عمر رضي الله عنه : وأي ليلة هي ؟ قلت سابعة تمضى أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر رضي الله عنه : ومن أين علمت ذلك ؟ قال : فقلت : إن الله خلق سبع سموات وسبع أرضين وسبعة أيام وإن الدهر يدور على سبع وخلق الله الإنسان من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف بالبيت سبع رمى الجمار سبع ، لأشياء ذكرها فقال عمر رضي الله عنه : لقد فطنت لأمر ما فطنا له .

وقد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع وعشرين من موضعين :

أحدهما : أن الله تعالى كرر ذكر ليلة القدر في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها وليلة القدر حروفها تسع حروف والتسع إذا ضربت في ثلاثة فهي سبع وعشرون .

والثاني : أنه قال : (( سَلاَمٌ هِيَ )) فكلمة (( هِيَ )) الكلمة السابعة والعشرون من السورة فإن كلماتها كلها ثلاثون كلمة قال ابن عطية هذا من مُلَحِ التفسير لا من متين العلم وهو كما قال .

ثواب العمل في ليلة القدر :

وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) .

وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضا قال سفيان الثورى : الدعاء في تلك الليلة أحب إلى من الصلاة قال : وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق . انتهى .

ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء وإن قرأ ودعا كان حسناً وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها والله أعلم .

النبي صلى الله عليه وسلم يعلم عائشة ما تقول في الدعاء :

قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي (( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )) .

العفو من أسماء الله تعالى وهو يتجاوز عن سيئات عباده ، الماحي لآثارها عنهم وهو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.

المجلس السادس :

في وداع رمضان

في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) .

والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر ويدل عليه ما خرجه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن لما اجتنبت الكبائر )) وفي تأويله قولان :

أحدهما : أن تكفير هذه الأعمال مشروط باجتناب الكبائر فمن لم يجتنب الكبائر لم تكفر له هذه الأعمال كبيرة ولا صغيرة .

والثاني : أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة بكل حال وسواء اجتنبت الكبائر أو لم تجنب وأنها لا تكفر الكبائر بحال .

أسباب الغفران في رمضان :

شهر رمضان تكثر فيه أسباب الغفران فمن أسباب المغفرة فيه صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر فيه كما سبق .

ومنها : تفطير الصوام والتخفيف عن المملوك وهما مذكوران في حديث سلمان المرفوع .

ومنها : الذكر وفي حديث مرفوع (( ذاكر الله في رمضان مغفور له )) .

ومنها : الاستغفار والاستغفار طلب المغفرة ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره ولهذا كان ابن عمر إذا أفطر يقول : اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المرفوع في فضل شهر رمضان : ويغفر فيه إلا لمن أبى قالوا : يا أبا هريرة ومن يأبى ؟ قال : يأبى أن يستغفر الله .

ومنها : استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا وقد تقدم ذكره فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروما غاية الحرمان .

حديث المنبر :

في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه (( أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : آمين آمين آمين ، قيل يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين فقال : إن جبريل أتاني فقال من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت : آمين ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت : آمين ، ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل : آمين فقلت : آمين )) .

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرفع ما انخرق من الصيام باللغو والرفث ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين : إن صدقة الفطر للصائم كسجدتى السهو للصلاة .

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : الغيبة تخرق الصيام والاستغفار يرقعه فمن استطاع منكم أن يجئ بصوم مرقع فليفعل .

وعن ابن المنكدر معنى ذلك : الصيام جنة من النار ما لم يخرقها والكلام السيئ يخرق هذه الجنة والاستغفار يرقع ما تخرق منها فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعمل صالح له شافع .

أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة وهي حل عقدة الإصرار فمن استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود فصومه عليه مردود وباب القبول عنه مسدود .

قال كعب : من صام رمضان وهو يحدث نفسه إنه إذا أفطر بعد رمضان أنه لا يعصي الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان عصى ربه فصيامه عليه مردود وخرجه سلمة بن شبيب .

شــــــــعر :

أتترك من تحب وأنت جـارُ

وتـــطلبهم وقد بعــــــد المزار ؟ !

وتبكي بعد نأيهم اشتياقـــــا

وتسأل في المنازل أين ساروا ؟ !

تركت سؤالهم وهم حضور

وترجو أن تخبرك الديــــــــــــــار

فنفسك لُم ولا تلُمِ المطايـــا

ومت كمداً فليس لك اعتــــــــــذار

يا شهر رمضان ترفق دموع المحبين تُدفق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقق عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كلَّ ما تخرق عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق عسى أسير الأوزار يطلق عسى من استوجب النار يعتق .

شـــــــــعر :

عسى وعسى من قبل وقت التفرق

إلى كل من ترجو من الخير تلتقى

فيجبر مكسور ويقـــــبل تائـــــــب

ويعتق خطاء ويسعد من شقـــــــى

 

لطفاً قل ( اللهم أعنا على الصيام والقيام  )

 

المرجع :

لطائف المعارف ، الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، ط / دار الحديث ” ص 207 – 296 ” ، فصل : شهر رمضان ، بتصرف.

 

قطوف من سيرة الإمام الشافعي رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الشافعي ( 150 هـ – 204 هـ )

” إن المصباح ليس له أن يقول : إن الطريق مظلم ، لكنه يقول :

ها أنذا مضيئ ” – الرافعي –

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي بن عبد المطلب بن عبد مناف وينسب إلى شافع فيقال له : الشافعي كما ينسب إلى عبد المطلب فيقال : المطلبي كما ينسب إلى مكة لأنها موطن آبائه وأجداده فيقال له : المكي إلا أن النسبة الأولى قد غلبت عليه .

ولد سنة 150 هـ وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة وكانت ولادته بمدينة غزة بفلسطين حيث خرج والده إدريس من مكة إليها في حاجة له فمات بها وأمه حامل به فولدته فيها ثم عادت به بعد سنتين إلى مكة . حفظ القرآن بها في سن السابعة وحفظ موطأ مالك في سن العاشرة .

اختلط بقبائل هذيل الذين كانوا من أفصح العرب فاستفاد منهم وحفظ أشعارهم وضرب به المثل في الفصاحة . تلقى الشافعي فقه مالك على يد مالك . وتفقه بمكة على شيخ الحرم ومفتيه مسلم بن خالد الزنجي ، المتوفى سنة 180 هـ ، وسفيان بن عيينة الهلالي المتوفى سنة 198 هـ وغيرهما من العلماء . ثم رحل إلى اليمن ليتولى منصباً جاءه به مصعب بن عبد الله القرشي قاضي اليمن . ثم رحل إلى العراق سنة 184 هـ واطلع على ما عند علماء العراق وأفادهم بما عليه علماء الحجاز وعرف محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وتلقى منه فقه أبي حنيفة وناظره في مسائل كثيرة ورفعت هذه المناظرات إلى الخليفة هارون الرشيد فسُرَّ منه .

ثم رحل الشافعي بعدها إلى مصر والتقى بعلمائها وأعطاهم وأخذ منهم . ثم عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195 هـ في خلافة الأمين . وقد أصبح الشافعي في هذه المدة إماماً له مذهبه المستقل ومنهجه الخاص به .

واستمر بالعراق مدة سنتين عاد بعدها إلى الحجاز بعدما ألّف كتابه الحجة الذي رواه عنه أربعة من تلاميذه في العراق وهو : أحمد بن حنبل وأبو ثور والزعفراني والكرابيسي ، ثم عاد مرة ثالثة إلى العراق سنة 198 هـ وأقام بها أشهراً ثم رحل إلى مصر سنة 199 هـ أو سنة 200 هـ على قول بعض المؤرخين ونزل ضيفاً عزيزاً على عبد الله ابن الحكم بمدينة الفسطاط وبعد أن خالط المصريين وعرف ما عندهم من تقاليد وأعراف وعادات تخالف ما عند أهل العراق والحجاز . فكَّر في إعادة النظر فيما أملاه البويطي والمزني والربيع المرادي بالعراق . وظل بمصر إلى أن توفي بها سنة 204 هـ وضريحه بها مشهور . وقد رتب الشافعي أصول مذهبه كالآتي :

كتاب الله أولاً وسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ثانياً ، ثم الإجماع والقياس والعرف والاستصحاب . وقد دون مذهبه بنفسه . فقد ألّف في مذهبه القديم كتاب الحجة وهذا الكتاب لم يصل إلينا بعينه حيث أعاد النظر فيه وجاء منه ببعض المسائل في مذهبه الجديد في كتاب الأم الذي أملاه على تلاميذه في مصر.  ولم يصل إلينا كتاب الأم إلا برواية الربيع المرادي . فهي المطبوعة الآن في سبعة أجزاء .

يعد الشافعي أول من ألّف في علم أصول الفقه ويتضح ذلك في كتابه المسمى الرسالة وقد كتبها في مكة وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي – حاكم العراق حينذاك – مع الحارث بن شريح الخوارزمي البغدادي الذي سمي بالنقال بسبب نقله هذه الرسالة . ولما رحل الشافعي إلى مصر أملاها مرة أخرى على الربيع بن سليمان المرادي . وما أملاه على الربيع يسمى  بالرسالة الجديدة وما أرسله إلى عبد الرحمن بن مهدي يسمى بالرسالة القديمة إذ إن عبد الرحمن بن مهدي أرسل للشافعي أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن ويجمع قبول الأخبار والإجماع فكتب الشافعي وهو شاب كتاب ” الرسالة ” .

وقد ذهبت الرسالة القديمة وما بين أيدينا هو الرسالة الجديدة التي أملاها على الربيع وقد انتشر مذهب الشافعي في الحجاز والعراق ومصر والشام وفلسطين وعدن وحضرموت وهو المذهب الغالب في إندونيسيا وسريلانكا ولدى مسلمي الفلبين وجاوه والهند الصينية وأستراليا .

ثناء العلماء عليه :

اعتبره العلماء من المجددين كما ورد في الحديث : ” إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” أخرجه أبو داود وصححه الحافظ وابن باز .

قال الإمام أحمد : فنظرنا فإذا رأس المئة الأولى عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي .

قال عبد الله ابن الإمام أحمد لأبيه : يا أبت أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك كثيراً تدعو له ؟ فقال له : يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للناس

قال الربيع : كان الشافعي يُفتي وله خمس عشرة سنة وكان يحيي الليل إلى أن مات .

وفي قدرته على المناظرة وقوة الحجة قال أحدهم : لو أن الشافعي ناظر هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب .

قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي وقال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة ؟

قال الذهبي : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه فما زال النظراء يختلفون .

وكان للشافعي عقل حكيم ولسان لا ينطق إلا بالمفيد ، وهذه بعض من أقواله وحكمه :

– طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .

– قال لبعض أصحاب الحديث : أنتم الصيادلة ونحن الأطباء .

– من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن تكلم في الفقه نما قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في اللغة رق طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه .

– المراء في الدين يُقسي القلب ويورث الضغائن .

– قال الربيع : لا تخوضن في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن خصمك غداً هو النبي صلى الله عليه وسلم .

– وددتُ أن الناس تعلموا هذا العلم مني على أن لا يُنسب إلي منه شيء .

– ما ناظرتُ أحداً إلا على النصيحة .

– كل ما قلته وهو خلاف الدليل فاضربوا بقولي عرض الحائط .

– العلم علمان : علم الدين وهو الفقه وعلم الدنيا وهو الطب وما سواه فعناء وعبث ، وقال عن علم الطب : ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى .

– تعبَّد من قبل أن ترأس فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد .

– لا يبلغ أحد في هذا الشأن حتى يُضِّر به الفقر ويؤثره على كل شيء .

– رضى الناس غاية لا تدرك وليس إلى السلامة منهم سبيل فعليك بما ينفعك فالزمه .

– العلم ما نفع ليس العلم ما حفظ .

– لو أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته .

– العاقل من عقله عقله عن كل مذموم .

– سياسة الناس أشد من سياسة الدواب .

وفضلاً عن علمه وحكمته كان الشافعي شاعراً عظيماً حتى قيل له يوماً : أخذت الفقه والشعر فما أبقيت لنا ؟

ويدور معظم شعره حول الوعظ والحكمة ومن ذلك قصيدته الشهيرة :

دع الأيام تفعل ما تشاء * وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي * فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا * وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا * وسرك أن يكون لها غطاء
يغطى بالسماحة كل عيب * وكم عيب يغطيه السخاء
ولا حزن يدوم ولا سرور * ولا بؤس عليك ولا رخاء
ولا تُرِ للأعادي قط ذلا * فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل * فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنّي * وليس يزيد في الرزق العناء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع * فأنت ومالكُ الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا * فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن * إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين * ولا يغني عن الموت الدواء

المرجع :

أيتام غيروا مجرى التاريخ  ، عبد الله صالح الجمعة حفظه الله ، ط / العبيكان ” 65 – 71 ” ، فصل : الإمام الشافعي رحمه الله ، بتصرف.

 

 

 

 

ما ورد في فضل شهر شعبان


بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد في فضل شهر شعبان
صيام شعبان :
خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام يسرد حتى نقول : لا يفطر ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم إلا يومين من الجمعة إن كان في صيامه وإلا صامها ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان فقلت : يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما قال : أي يومين ؟ قال : يوم الاثنين ويوم الخميس  قال : ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم قلت : ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان قال : ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .
وفيهما عن أنس أنه سئل عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته (1) .
ولمسلم عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال قد صام قد صام ، ويفطر حتى يقال قد أفطر قد أفطر .
النهي عن صوم الدهر :
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكر على من يسرد صوم الدهر ولا يفطر عنه ويخبر عن نفسه أنه لا يفعل ذلك ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : أتصوم النهار وتقوم الليل قال : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) (2) .
وفيهما عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم : لا أتزوج النساء وقال بعضهم : لا آكل اللحم وقال بعضهم : لا أنام على الفراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب وقال : (( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) (3) .  
(1)     متفق على صحته .
(2)     أخرجه البخاري ومسلم في كتاب الصيام في صوم الدهر .
(3)     هو في كتابي النكاح من صحيحيهما .
وفي صحيح البخاري أن سلمان زار أبا الدرداء وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما فرأى أم الدرداء متبذلة فقال : ما شأنك متبذلة ؟ فقالت : إن أخالك أبا الدرداء لا حاجة له في الدنيا فلما جاء أبو الدرداء قرب له طعاما قال له : كل فقال إني صائم فقال : ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان : نم ثم ذهب فقال له : نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن فقاما فصليا فقال سلمان : إن لنفسك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال :        (( صدق سلمان )) .
وفي رواية في غير الصحيح : قال : (( ثكلت سلمان أمه لقد أشبع من العلم )) .
وقد ورد النهي عن صيام الدهر والتشديد فيه وهذا كله يدل على أن أفضل الصيام أن لا يستدام بل يعاقب بينه وبين الفطر وهذا هو الصحيح من قول العلماء وهو مذهب أحمد وغيره .
الحكمة في النهي عن صوم الدهر :
منها قوله صلى الله عليه وسلم في صيام الدهر : (( لا صام ولا أفطر )) يعني أنه لا يجد مشقة الصيام ولا فقد الطعام والشراب والشهوة لأنه صار الصيام له عادة مألوفة فربما تضرر بتركه فإذا صام تارة وأفطر أخرى حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشهوات وفي نفسه داعية إليها وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها .
فالأول : مثل أن يضعف الصيام عن الصلاة أو عن الذكر أو عن العلم كما قيل في النهي عن صيام الجمعة ويوم عرفة أنه يضعف عن الذكر والدعاء في هذين اليومين .
وكان ابن مسعود يقل الصوم ويقول : إنه يمنعني من قراءة القرآن وقراءة القرآن أحب إلي فقراءة القرآن أفضل من الصيام نص عليه سفيان الثوري وغيره من الأئمة وكذلك تعلم العلم النافع وتعليمه أفضل من الصيام .
والثاني : مثل أن يضعف الصيام عن الكسب للعيال أو القيام بحقوق الزوجات فيكون تركه أفضل وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم (( إن لأهلك عليك حقا )) .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اكفلوا من العمل ما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا )) . وقال صلى الله عليه وسلم : (( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل )) .
وقد يسأم ويضجر فيقطع العمل فيصير كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .
ما جاء في صوم الاثنين والخميس :
والخميس ، فقيل له : يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس فقال :
(( إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين فيقول دعوهما حتى يصطلحا )) . وخرجه الترمذي ولفظه  قال : تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء يقول : (( أنظروا هذين حتى يصطلحا )) .
صيام النبي صلى الله عليه وسلم :
وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان زاد البخاري في رواية (( كان يصوم شعبان كله )) .
ولمسلم في رواية : (( كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا )) .
وفي رواية للنسائي عن عائشة قالت : كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان كان يصله برمضان وعنها وعن أم سلمة قالتا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا بل كان يصومه كله .
وعن أم سلمة قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان . وأن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شعبان تعظيما لرمضان وفي إسناده مقال .
معان في فضل صيام شعبان :
وقد ظهر بما ذكرناه وجه صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشعبان دون غيره من الشهور وفيه معان أخر وقد ذكر منها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة معنيين :
أحدهما : أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولا عنه وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك .
وروى ابن وهب قال : حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجبا فقال : (( فأين هم عن شعبان )) .
وذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي تحات ورقه من الصرير )) والصرير : البرد الشديد وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل رطب ويابس وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في الجنة قال بعض السلف : ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمى الفئة المنهزمة ولولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس .
الحكمة من صيام شعبان :
وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقى رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن .
وقال سلمة بن كهيل : كان يقال شهر شعبان شهر القراء .
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال : هذا شهر القراء وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .
في نصف شعبان
خرج الإمام أحمد و أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحكم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان )) .
حكم صيام يوم النصف :
وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول : ألا مستغفر فأغفر له ؟ ألا مسترزق فأرزقه ؟ ألا مبتلى فأعافيه ؟ ألا كذا ألا كذا ؟ حتى يطلع الفجر )) (1) وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون .
 ومن أمثلها حديث عائشة قالت : (( فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء فقال : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ فقلت : يا رسول الله ظننت انك أتيت بعض نسائك فقال : إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب )) خرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه .
وخرج ابن ماجه من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن )) .
(1)         إسناده ضعيف أخرجه ابن ماجه ( 1388 ) لضعف ابن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين : يضع الحديث وقال الألباني : حديث ضعيف جدا أو موضوع .
   ما ورد في تعظيم ليلة النصف :
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة ليس ذلك ببدعه نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : إنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلى الرجل فيها لخاصة نفسه وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى .
ما روى عن عمر بن عبد العزيز في ذلك :
وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة : عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يُفرغ فيهن الرحمة إفراغا ، أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى وفي صحته عنه نظر .
وقال الشافعي رضي الله عنه : بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال : ليلة الجمعة والعيدين وأول رجب ونصف شعبان قال : واستحب كل ما حكيت في هذه الليالي . ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان .
وروى عن كعب قال : إن الله تعالى يبعث ليلة النصف من شعبان جبريل عليه السلام إلى الجنة فيأمرها أن تتزين ويقول : إن الله تعالى قد أعتق في ليلتك هذه عدد نجوم السماء وعدد أيام الدنيا ولياليها وعدد ورق الشجر وزنة الجبال وعدد الرمال .
ما يجب على المؤمنين في ليلة النصف :
فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب .
 أعظم الذنوب عند الله :
وقد روى أنها الشرك وقتل النفس والزنا ، وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ قال : (( أن تجعل لله ندا وهو خلقك )) قال : ثم أي ؟ قال : (( أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك )) قال : ثم أي ؟ قال : (( أن تزاني حليلة جارك )) فأنزل الله تعالى تصديق ذلك : (( وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ )) الآية ، ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا :
(( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا )) وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا ، وعن الأوزاعي أنه قال : المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة وكذا قال ابن ثوبان : المشاحن هو التارك لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، الطاعن على أمته ، السافك دماءهم. 
وهذه الشحناء أعنى شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم كبدع الخوارج و الروافض ونحوهم .
وقد رُوى عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى : (( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) أنها ليلة النصف من شعبان والجمهور على أنها ليلة القدر وهو الصحيح .
في صيام آخر شعبان
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل :
(( هل صمت من سَرَرِ هذا الشهر شيئا ؟ قال : لا ، قال : فإذا أفطرت فصم يومين )) . وفي رواية للبخاري أظنه يعني رمضان .
وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري : (( هل صمت من سَرَر شعبان شيئا ؟ )) وفي رواية : (( فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه )) وفي رواية (( يوما أو يومين )) شك شعبة .
              إذا العشرون من شعبان ولت      
                                            فواصل شرب ليلك بالنهــــــــار
              ولا تشرب بأقداح صغـــــــار
                                            فإن الوقت ضاق على الصغــار
================
             يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه
                                          عواقب الذنب تُخشى وهي تنتظر
            فكل نفس ستجزى بالذي كســـبت
                                          وليس للخلق من ديـــــــانهم وَزَر
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب يقول : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )) (1 ) خرجه الطبراني وغيره من حديث أنس .
(1)                 رواه الطبراني في الأوسط والبزار وفيه زائدة بن أبي الرقاد وفيه كلام وقد وثق .
  لقد أظلك شهرُ الصوم بهدهما      فـلا تُصيره أيضا شهر عصيان
     واتل القرآن وسبح فيه مجتهـدا      فإنـــه شهـــر تسبيـــح وقرآن
    فاحمل على جسد ترجو النجاة لـــه         فسوف تُضرم أجساد بنيـــران
    كم كنت تعرف ممن صام في سلف        من بين أهل وجيران وإخــوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهـــم         حيا فما أقربَ القاصي من الدانِ
    ومُعجب بثياب العيد يقطعهــــا         فأصيبحت في غدٍ أثوابَ أكفـان
حتى متى يعمر الإنسان مسكنـــه          مصيرُ مسكنه قبر الإنســـــان ؟    
 
 
من فضلك قل ( اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان )
المرجع من كتاب : لطائف المعارف
للمؤلف : ابن رجب الحنبلي رحمه الله