أرشيف الكاتب: رامي الدعيس
ما ورد في فضل شهر رجب
بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد في فضل شهر رجب
خرجا في الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال في خطبته ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان ) وذكر الحديث ، قال الله عز وجل ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ) مراده بذلك إبطال ما كانت الجاهلية تفعله من النسيء كما قال تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ) . .
سبب تسمية هذه الأشهر بالحرم :
واختلفوا لم سميت هذه الأشهر الربعة حرماً فقيل لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها ، قال غلب بن أبي طلحة عن ابن عباس : اختص الله أربعة أشهر عليهن حرماً وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم وجعل العمل الصالح والأجر أعظم ، قال كعب ( اختار الله الزمان فأحبه إلى الله الأشهر الحرم ) وقد روى مرفوعاً ولا يصح رفعه.
عجائب الأشهر الحرم :
ومن عجائب الأشهر الحرم ما روى عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه ذكر عجائب الدنيا فعد منها بأرض عاد عمود نحاس عليه شجرة من نحاس ، فإذا كان في الأشهر الحرم قطر منها الماء فملئوا منه حياضهم وسقوا مواشيهم وزرعهم ، فإذا ذهب الأشهر الحرم انقطع الماء .
أسماء شهر رجب :
وذكر بعضهم إن لشهر رجب أربعة عشر اسماً : شهر الله ، ورجب ، ورجب مضر ، ومنصل الأسنة ، والأصم ، والأصب ، ومنفس ، ومطهر ، ومعلى ، ومقيم ، وهرم ، ومقشقش ، ومبرئ ، وفرد ، وذكر غيره أن له سبعة عشر اسماً فزاد : رجم بالميم ومنصل الآلة وهي الحربة ، ومنزع الأسنة .
حكم الصوم في رجب :
وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أصحابه ، ولكن روى عن أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوام رجب .
قال البيهقي : أبو قلابة من كبار التابعين لا يقول مثله إلا عن بلاغ ، إنما ورد في صيام الأشهر الحرم كلها حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( صم من الحرم واترك ) .
حكم الزكاة في رجب :
وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد ( كما في المرجع ) إخراج الزكاة في شهر رجب ، ولا أصل لذلك في السنة ، ولا عرف عن أحد من السلف ، ولكن رُوى عن عثمان أنه خطب الناس على المنبر فقال : إن هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه وليزك ما بقى ، خرجه مالك في الموطأ .
الاعتمار في رجب :
وأما الاعتمار في رجب فقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فأنكرت ذلك عائشة عليه … فسكت . ( المؤلف لم يذكر المرجع )
واستحب الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب وغيره ، وكانت عائشة تفعله وابن عمر أيضا ، ونقل ابن سيرين عن السلف أنهم كانوا يفعلونه فإن أفضل الأنساك أن يؤتى بالحج في سفرة والعمرة في سفرة أخرى في غير أشهر الحج ، وذلك من جملة إتمام الحج والعمرة المأمور به ، كذلك قاله جمهور الصحابة كعمر وعثمان وعلي وغيرهم .
حوادث عظيمة حدثت في رجب :
وقد روى أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه ، وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل : في الخامس والعشرين ، ولا يصح شيء من ذلك .
وروى بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب ، وأنكر ذلك ابراهيم الحربي وغيره .
وروى عن قيس بن عباد قال : في اليوم العاشر من رجب ( يمحو الله ما يشاء ويثبت )
وكان أهل الجاهلية يتحرون الدعاء فيه على الظالم وكان يستجاب لهم ، ولهم في ذلك أخبار مشهورة قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب ( مجاب الدعوة ) وغيره .
وقد ذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر : إن الله كان يصنع بهم ذلك ليحجز بعضهم عن بعض ، وان الله جعل الساعة موعدهم ، والساعة أدهى وأمر .
وري زائدة بن أبي الرقاد عن زياد التميمي عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) إسناده ضعيف أخرجه احمد ( 2346) لضعف زائدة بن أبي الرقاد الباهلي هو منكر الحديث ، وعزاء الهيثمي في مجمع الزوائد (2/165) للبزار ، وقال : فيه زائدة بن أبي الرقاد ، قال البخاري : منكر الحديث ، ونسبه في موضع آخر للطبراني معه والحديث من زيادات عبدالله بن أحمد .
رجب مفتاح أشهر الخير :
شهر رجب مفتاح أشهر الخير والبركة ، قال أبو بكر الوراق البلخي : شهر رجب شهر الزرع وشعبان شهر السقي للزرع ، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع .
وعنه قال مثل شهر رجب مثل الريح ، ومثل شعبان مثل الغيم ، ومثل رمضان مثل القطر وقال بعضهم : السنة مثل شجرة ، وشهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ورمضان أيام قطفها ، والمؤمنون قطافها جدير بمن سود صحيفته بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر وبمن ضيع عمره في البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر .
شـــــعر
بيض صحيفتك السوداء في رجب بصالح العمل المنجي من الـلهب
شهر حرام أتى من أشهر حـرم إذا دعا اللــه داع فيه لم بخب
طوبى لعبد زكــا فيه له عمـلُ فكف فيه عن الفحشاء والريب
فضل وليس أمرا قل ( اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان )
لطائف المعارف ، الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، ط / دار الحديث ” ص 157 – 170 ” ، فصل : شهر رجب ، بتصرف.
فصل من أخبار مدعي النبوة
الحق لا يشتبه بباطل إنما يموه الباطل عند من لا يفهم له ، وهذا في حق من يدعي النبوات وفي حق من يدعي الكرامات أما النبوات فإنه قد ادعاها خلق كثير ظهرت قبائحهم وبانت فضائحهم ومنها ما يوجبه خسة الهمة والتهتك في الشهوات والتهافت في الأقوال والأفعال حتى افتضحوا . ومنهم
1) الأسود العنسي :
الأسود العنسي ادعى النبوة ولقب نفسه ذا الخمار لأنه كان يقول يأتيني ذو الخمار ، وكان أمر أمره كاهناً يشعوذ فيظهر الأعاجيب فخرج في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكاتبته مذحج وواعد نجران وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفا له اليمن وقاتل شهر بن باذام فقتله وتزوج بنته فأعانت على قتله فهلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبان للعقلاء أنه كان يشعبذ .
2) مسيلمة الكذاب :
مسيلمة الكذاب ادعى النبوة وتسمى رحمان اليمامة ، لأنه كان يقول : الذي يأتيني رحمان فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أنه قد أشرك معه فالعجب أنه يؤمن برسول الله ويقول أنه كذاب ثم جاء بقرآن يضحك الناس مثل قوله : يا ضفدع بنت ضفدعين نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأٍسفلك في الطين . ومن العجائب شاة سوداء تحلب لبناً أبيض ، فانتهك ستره في هذه الفصاحة ثم مسح بيده على رأس صبي فذهب شعره وبصق في بيئر وتزوج سجاح التي ادعت النبوة . فقالوا لابد لها من مهر فقال: مهرها أني قد أسقطت عنكم صلاة الفجر والعتمة .
3) سجاح بنت الحارث التميمية :
وكانت سجاح هذه قد ادعت النبوة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاستجاب لها جماعة ، فقال أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم اعبروا على الرباب فليس دونهم حجاب فقاتلوهم ثم قصد اليمامة فهابها مسيلمة فراسلها وأهدى لها فحضرت عنده فقالت : اقرأ عليّ ما يأتيك به جبريل فقال إنكن معشر النساء خلقتن أفواجاً وجعلتن لنا أزواجاً نولجه فيكن إيلاجاً : فقالت صدقت أنت نبي . فقال لها قومي إلى المخدع فقد هيئ لك المضجع فإن شئت ملقاة وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع فقالت : بل به أجمع فهو للشمل أجمع فافتضحت عند العقلاء من أصحابها فقال منهم عطارد بن حاجب :
أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها | وأصبحت أنبياء الناس ذكراناج | |
فلعنة الله رب الناس كلهم | على سجاح ومن بالإفك أغواناج | |
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيتج | أصداؤه من رعيث حيثما كاناجج |
ثم إنها رجعت عن غيّها وأسلمت وما زالت تبين فضائع مسيلمة حتى قتل .
4) طلحة بن خويلد :
ومنهم طلحة بن خويلد خرج بعد دعوى مسيلمة النبوة وتبعه أقوام ونزل سميرا فتسمى بذي النون ويقول إن الذي يأتيه يقال له : ذو النون وكان من كلامه : إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا قبح أدباركم شيئاً فاذكروا الله أعفة قياماً ، ومن قرآنه والحمام اليمام والصرد الصوام ليبلغن ملكنا العراق والشام وتبعه عيينة بن حصن فقاتله خالد بن عيينة فجاء عيينة إلى طليحة فقال : ويحك أجاءك الملك ؟ قال : لا فارجع فقاتل فقاتل ثم عاد فقال أجاءك ؟ فقال : لا فعاد فقاتل فقال : أجاءك ؟ قال : نعم . قال : ما قال لك ؟ إن لك جيشاً لا تنساه فصاح عيينة بالرجل : والله كذاب فانصرف الناس منهزمين وهرب طليحة إلى الشام ثم أسلم وصح إسلامه وقتل بنهاوند
5) جندب بن كلثوم :
وذكر الواقدي : أن رجلاً من بني يربوع يقال له : جندب بن كلثوم كان يلقب : كردانا ادعى النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزعم أن دليله على نبوته أن يسرج مسامير الحديد والطين وهذا لأنه كان يطلي ذلك بدهن البيلسان فتعمل به النار .
6) كهمش الكلابي :
وقد تنبأ رجل يقال له كهمش الكلابي وكان يزعم أن الله تعالى أوحى إليه : يا أيها الجائع اشرب لبناً تشبع ، ولا تضرب الذي لا ينفع ، فإنه ليس بمقنع ، وزعم أن دليله على نبوته : أنه يطرح بين السباع الضارية فلا تأكله . وحيلته في ذلك أنه يأخذ دهن الغار وحجر البرسان وقنفدا محرقا وزبد البحر وصدفا محرقا مسحوقا وشيئا من الصبر والحبط فيطلي به جسمه فإذا قربت منه السباع ، فشمت تلك الأرياح زفورتها نفرت .
7) أبو جعوانة العامري :
وقد تنبأ بالطائف رجل يقال له أبو جعوانة العامري وزعم أن دليله أنه يطرح في النار القطن فلا يحترق وهذا لأنه يدهنه بدهن معروف .
8) هذيل بن يعفور من بني سعد بن زهير :
ومنهم هذيل بن بعفور من بني سعد بن زهير حكى عنه الأصمعي : أنه عارض سورة الإخلاص فقال ( قل هو الله أحد ، إله كالأسد ، جالس على الرصد ، لا يفوته أحد )
9) هذيل بن واسع :
ومنهم هذيل بن واسع كان يزعم أنه ولد النابغة الذبياني وعارض سورة الكوثر فقال له رجل : ما قلت ؟ فقال : ( إنا أعطيناك الجواهر فصل لربك وجاهر فما يردنك إلا كل فاجر ) . فظهر عليه السنوي فقتله وصلبه على العمود فعبر عليه الرجل فقال : ( إنا أعطيناك العمود فصل لربك من قعود بلا ركوع ولا سجود فما أراك تعود ) .
10) المختار بن أبي عبيد الثقفي :
وممن ظهر فادعى أنه يوحى إليه المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان متخبطاً في دعواه وقتل خلقاً كثيراً وكان يزعم أنه ينصر الحسين – رضوان الله عليه – ثم قتل .
11) حنظلة بن يزيد الكوفي :
ومنهم حنظلة بن يزيد الكوفي كان يزعم أن دليله : أنه يدخل البيضة في القنينة ويخرجها منها صحيحة وذاك أنه كان ينقع البيضة في الخل الحامض فيلين قشرها ثم يصب ماءً في قنينة ثم يدس البيضة فيها فإذا لقيت الماء صلبت
وقد تنبأ أقوام قد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كزرداشت وماني وافتضحوا وما من المدعين إلا من خذل .
وقد جاءت القرامطة بحيل عجيبة وقد ذكرت جمهور هؤلاء وحيلهم في كتابي التاريخ المسمى ( المنتظم ) وما فيهم من يتم له أمر إلا ويفتضح .
ودليل صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أجلى من الشمس فإنه ظهر فقيراً والخلق أعداؤه فوعد بالملك فملك وأخبر بما سيكون فكان وصين في زمن النبوة عن الشره وخساسة الهمة والكذب والكبر وأيد بالثقة والأمانة والنزاهة والعفة وظهرت معجزاته للبعيد والقريب وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي حارت فيه عقول الفصحاء ولم يقدروا على الإتيان بآية تشبهه فضلاً عن سورة وقد قال قائلهم وافتضح ثم أخبر أنه لا يعارض فيه فكان كما قال وذلك قوله تعالى : ( فأتوا بسورة ) ” يونس : 38 ” ثم قال ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ” البقرة : 24 ” وكذلك قوله : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين – ولن يتمنوه ) ” البقرة : 94- 95 ” فمنا تمناه أحد إذ لو قال قائل : قد تمنيته لبطلت دعواه ، وكان يقول ليلة غزاة بدر : ( غداً مصرع فلان هاهنا ) فلا يتعداه وقال : ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ) فما ملك بعدهما من له كبير قدر ولا من استتب له حال …. ونكتفي بهذا القدر بالرغم من أن كلام المؤلف لم ينتهي .
المرجع :
صيد الخاطر ، الإمام ابن الجوزي رحمه الله ، ط / اليمامة ” 432 – 438 ” ، فصل : في أخبار مدعي النبوة ، بتصرف.
قطوف من سيرة الحسن بن علي رضى الله عنه
ما ورد في فضل شهر صفر
بسم الله الرحمن الرحيم
ما ورد في فضل شهر صفر
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا عدوى ولا هامة ولا صفر ، فقال أعرابي : يا رسول الله ، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجْرَبُ فَيُجربها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن أعدى الأول )) (1) أما العدوى فمعناها أن المرض يتعدى من صاحبه إلى من يقارنه من الأصحاء فيمرض بذلك ، وكانت العرب تعتقد ذلك في أمراض كثيرة منها الجرب ، ولذلك سأل الأعرابي عن الإبل الصحيحة يخالطها البعير الأجرب فتجرب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فمن أعدى الأول ؟ )) ومراده أن الأول لم يجرب بالعدوى بل بقضاء الله وقدره فكذلك الثاني وما بعده .
(1) أخرجه البخارى في صحيحه ( 5757 ، 5770 ) ومسلم أيضاً ( 2220 ) من حديث أبي هريرة .
(2) النقبة : أول ما يظهر من الجرب .
(4) هو مرسل أصح منه متصلاً والمرسل من أنواع الضعيف انظر المسند ( ح2ص356 ) .
(5) موت الفوات : المراد به موت الفجأة
من كرامات الأولياء :
ونظير ذلك ما روى عن خالد بن الوليد رضي الله عنه من أكل السم ومنه مشى سعد بن أبي وقاص ، وأبي مسلم الخولاني بالجيوش على متن البحر (2) .
ومنه أمر عمر رضي الله عنه لتميم حيث خرجت النار من الحرة أن بردها فدخل إليها في النار التي خرجت منه .
فهذا كله لا يصلح إلا لخواص من الناس قوى إيمانهم بالله وقضائه وقدره وتوكلهم عليه وثقتهم به ونظير ذلك دخول المفاوز بغير زاد لمن قوى يقينه وتوكله خاصة ، وقد نص عليه أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وكذلك ترك التكسب والتطيب ، كل ذلك يجوز عند أحمد لمن قوى توكله فإن التوكل أعظم الأسباب التي تستجلب بها المنافع وتدفع بها المضار كما قال الفضيل : لو علم الله إخراج المخلوقين من قلبك لأعطاك كل ما تريد .
وبذلك فسر الإمام أحمد التوكل ، فقال : هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين : قيل له : فما الحجة فيه ؟ قال : قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما ألقى في النار ، فعرض له جبريل عليه السلام فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا ، فلا يُشْرع ترك الأسباب الظاهرة إلا لمن تعوض عنها بالسبب الباطن ، وهو تحقيق التوكل عليه فإنه أقوى من الأسباب الظاهرة لأهله وأنفع منها ، فالتوكل علم وعمل والعلم معرفة القلب بتوحيد الله بالنفع والضر وعامة المؤمنين تعلم ذلك والعمل هو ثقة القلب بالله وفراغه من كل ما سواه وهذا عزيز ويختص به خواص المؤمنين .
(2) هذا مروى في كتب التواريخ لكن الله تعالى أعلم بصحة وقوعه كما روى ، ولا حرج على فضل الله تعالى ، ولكن العمل بالأسباب الصحيحة هو الحق فإن اضطر الإنسان إلى خلافه توكل على الله واستيقن .
والأسباب نوعان :
أحدهما : أسباب الخير ، فالمشروع أنه يفرح بها ويستبشر ولا يسكن إليها بل إلى خالقها ومسببها وذلك هو تحقيق التوكل على الله والإيمان به ، كما قال تعالى في الإمداد بالملائكة (( وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ )) ومن هذا الباب الاستبشار بالفأل وهو الكلمة والصالحة يسمعها طالب الحاجة وأكثر الناس يركن بقلبه إلى الأسباب وينسى المسبب لها وقلَّ من فعل ذلك إلا وكل إليها وخُذِل فإن جميع النعم من الله وفضله كما قال تعالى : (( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ )) (( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ )) .
(4) إثر سماء : أي عقب نزول مطر .
والنوع الثاني : أسباب الشر ، فلا تضاف إلا الذنوب لأن جميع المصائب إنما هي بسبب الذنوب كما قال تعالى : (( وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ )) وقال تعالى : (( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )) فلا تضاف إلى شئ من الأسباب سوى الذنوب كالعدوى أو غيرها .
والمشروع اجتناب ما ظهر منها واتقاؤه بقدر ما وردت به الشريعة مثل اتقاء المجذوم والمريض والقدوم على مكان الطاعون وأما ما خفى منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه فإن ذلك من الطِّيرة المنهى عنها .
لم نهى عن الطيرة ؟ :
والطيرة من أعمال أهل الشرك والكفر وقد حكاها الله في كتابه عن قوم فرعون وقوم صالح وأصحاب القرية التي جاءها المرسلون وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا طيرة )) وفي حديث (( من ردته الطيرة فقد قارف الشرك )) (3) .
وفي حديث ابن مسعود المرفوع : (( الطيرة من الشرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل )) .
(3) حديث في إسناده ضعف أخرجه أحمد في مسنده ( ح2ص . 22 ) فيه ابن لهيعة اختلط بعد احتراق كتبه ولكن للحديث شواهد .
وخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عروة بن عامر القرشي قال ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( أحسنها الفأل ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك )) .
(3) المنعة : القوة ، والمطار : حديد الفؤاد القوي .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (( ولا صفر )) فاختلف في تفسيره فقال كثير من المتقدمين : الصفر داء في البطن : يقال : إنه دود فيه كبار كالحيات وكانوا يعتقدون أنه يعدي فنفى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن قال هذا من العلماء ابن عيينة والإمام أحمد وغيرهما ولكن لو كان كذلك لكان هذا داخلا في قوله لا عدوى وقد يقال : هو من باب عطف الخاص على العام وخصه بالذكر لاشتهاره عندهم بالعدوى .
وقالت طائفة : بل المراد صفر شهر ثم اختلفوا في تفسيره على قولين :
أحدهما : أن المراد نفي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسئ فكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه وهذا قول مالك .
والثاني : أن المراد أن أهل الجاهلية كانوا يستشئون بصفر ويقولون : إنه شهر مشئوم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهذا حكاه أبو داود ، عن محمد بن راشد المكحولي عمن سمعه يقول ذلك ولعل هذا القول أشبه الأقوال .
وكثير من الجهال يتشاءم بصفر وربما ينهى عن السفر فيه ، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهى عنها وكذلك التشاؤم بالأيام كيوم الأربعاء وقد روى أنه يوم نحس مستمر في حديث لا يصح بل في المسند عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الأحزاب يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الظهر والعصر ، قال جابر : فما نزل بي أمر مهم غائظ إلا توخّيتُ ذلك الوقت فدعوت الله فيه فرأيت الإجابة ، أو كما قال : وكذلك تشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة وقد قيل : إن أصله أن طاعونا وقع في شوال في سنة من السنين فمات فيه كثير من العرائس فتشاءم بذلك أهل الجاهلية .
وقد ورد الشرع بإبطاله قالت عائشة رضي الله عنها : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني ؟ وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شوال أيضا .
هجران أماكن المعاصي :
هجران أماكن المعاصي وأخواتها من جملة الهجرة المأمور بها فإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، قال إبراهيم بن أدهم : من أراد التوبة فليخرج من المظالم وليدع مخالطة من كان يخالطه وإلا لم ينل ما يريد .
فائدة مجالس الذكر :
يا من ضاع قلبه انشده في مجالس الذكر عسى أن تجده ، يا من مرض قلبه احمله إلى مجلس الذكر لعله أن يعافى مجلس الذكر مارستان الذنوب ، تداوى فيها أمراض القلوب كما تداوى أمراض الأبدان .
وغير تقى يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو سقيم
يا أيها الرجل المقوم غيره هلا لنفسك كان ذا التقويـــــــــمُ
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيــــــــم
فهناك يقبلُ ما تقول ويَقتدى بالقول منك وينفع التعليــــــــــمـ
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله عار عليك إذا فعلت عظيــــــــمـ
لطفاً قل ( اللهم صلي وسلم على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم )
المرجع :
لطائف المعارف ، الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، ط / دار الحديث ” 97 – 111 ” ، فصل : وظيفة شهر صفر ، بتصرف.